ثم علّل سبحانه الحكم بقوله : ﴿وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ﴾ موحّدة مع ما بها من حسنات الرقّ وفقدانها الشّرف والمال ، لكونها متزيّنة بزينة الإيمان والتّوحيد ﴿خَيْرٌ﴾ لكم بحسب الدّين والدّنيا ﴿مِنْ﴾ امرأة حرّة ﴿مُشْرِكَةٍ﴾ مع مالها من شرف الحريّة ورفعة الشّأن وكثرة المال ﴿وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ﴾ تلك المشركة بسبب جمالها ومالها ونسبها وشرفها ، حيث إنّ حكمة النّكاح الموادّة بين الزّوج والزّوجة ، وطيب الولادة ، وكلاهما منتفيان في نكاحهنّ لعدم حصول الموادّة بين المؤمن والمشركة كما قال تعالى : ﴿لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ﴾(١) ولعدم تحقّق طيب الولادة في نسلهنّ ؛ لأن في خباثة الامّ ونجاسة لبنها أثر عظيم في خباثة الولد كما قال : ﴿الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ﴾(٢) .
ولذا أكّد سبحانه القضيّة بلام الابتداء التي تشبه لام القسم ، ثمّ لعين ما ذكر من الملاك نهى الله تعالى عن إنكاح المشركين بقوله : ﴿وَلا تَنْكِحُوا﴾ ولا تزوّجوا النّساء المؤمنات كنّ حرّات أو إماء ﴿الْمُشْرِكِينَ﴾ سواء كانوا من أهل الكتاب أو غيرهم ﴿حَتَّى يُؤْمِنُوا﴾ ويصدّقوا بالله ورسوله ويدخلوا في دين الإسلام ، ولا خلاف في هذا الحكم بين المسلمين.
﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ﴾ مع ما به من ذلّ العبوديّة وفقد المال والشّرف وكونه كلّا على مولاه ﴿خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ﴾ مع ماله من عزّ الحريّة والثّروة ونفوذ التصرّفات ﴿وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾ جماله وماله وعزّه وخصاله.
ثمّ بعد النّهي عن مزاوجة الكفّار وبيان عدم الصّلاح فيها ، وأنّ الصّلاح في مواصلة المؤمنين ، بيّن مفسدة عظيمة في مزاوجة الكفّار هي عمدة علل النّهي عنها ، بقوله : ﴿أُولئِكَ﴾ المشركون والمشركات ﴿يَدْعُونَ﴾ من يعاشرهم إلى الشّرك والفسق والعصيان الذي يؤدّي ﴿إِلَى النَّارِ﴾ فلا ينبغي للعاقل أن يقاربهم ويواليهم.
نقل أنّ مسلما رأى نصرانيّة سمينة فتمنّى أن يكون [ هو ] نصرانيّا حتّى يتزوّجها بكفر (٣) .
﴿وَاللهُ﴾ برحمته ولطفه ﴿يَدْعُوا﴾ بالنّهي عن مواصلتهم ، وأمركم بالإيمان ومواصلة أهله ﴿إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ﴾ قدّم الجنّة لمقابلة النّار ، وهذه الغاية القصوى لا تحصل لأحد إلّا ﴿بِإِذْنِهِ﴾ وتوفيقه.
__________________
(١) المجادلة : ٥٨ / ٢٢.
(٢) النور : ٢٤ / ٢٦.
(٣) تفسير روح البيان ١ : ٣٤٦. وفيه : يكفر وهذا من حماقته ...