ثمّ لمّا كانت هذه الأحكام المحكمات آيات ربوبيته ورحمته لكونها جامعة لصلاح العباد ، قال : ﴿وَيُبَيِّنُ آياتِهِ﴾ ودلائل ربوبيّته ورحمته ﴿لِلنَّاسِ﴾ كافّة ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ بها ، ويتفكّرون فيها ، فيعملون بما هو صلاحهم ونجاحهم.
قيل : إنّ إيراد التذكّر هنا للإشعار بأنّه لوضوحها غير محتاجة إلى التفكّر والتّدبّر (١) .
﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا
تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ
التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (٢٢٢)﴾
ثمّ لمّا بيّن سبحانه حكم النّكاح الذي هو غير منفكّ عن المواقعة غالبا ، حكى السّؤال السابع الذي كان عن حكم المواقعة في حال الحيض بقوله : ﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾ وعن مخالطة النّساء في حال تلوثّهنّ بالدّم الخاصّ الخارج من الرّحم.
قيل : إنّ حكاية الأسئلة الثلاثة مقترنة بواو العطف لكون جميعها في وقت واحد بخلاف ما عداها فإنّهم سألوها في أوقات متفرّقة (٢) .
وقيل : إنّ سبب السؤال أنّ اليهود والمجوس كانوا يتباعدون عن المرأة الحائض بحيث لا يساكنونها ولا يواكلونها ، والنّصارى كانوا بخلاف ذلك حتّى إنّهم لم يبالوا بجماعها ، وأهل الجاهليّة كانت رؤيتهم رؤية اليهود ، فسأل أبو
الدّحداح ونفر من الصّحابة عن الحكم ، فنزلت (٣)﴿قُلْ هُوَ أَذىً﴾ وقذارة مؤذية لمن يقربهنّ ﴿فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ﴾ واجتنبوا مجامعتهنّ ﴿فِي الْمَحِيضِ﴾ ومجرى الدّم الخاصّ ، وهو الفرج.
عن أبي عبد الله عليهالسلام في رواية : « أنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود ، له دفع وحرارة » (٤) . الخبر.
وفي حكمه ما يخرج في أيّام العادة ولو كان فاقدا للصّفات ، لقول النبيّ صلىاللهعليهوآله لزينب بنت جحش (٥) : « دعي الصّلاة أيّام أقرائك » (٦) .
__________________
(١) تفسير أبي السعود ١ : ٢٢٢ ، تفسير روح البيان ١ : ٣٤٦.
(٢) تفسير الرازي ٦ : ٦٢ ، تفسير أبي السعود ١ : ٢٢٢.
(٣) تفسير الرازي ٦ : ٦٣.
(٤) الكافي ٣ : ٩١ / ١.
(٥) في تفسير الرازي : لفاطمة بنت أبي حبيش.
(٦) تفسير الرازي ٦ : ٦٧.