آيات وسور مدوّنه مستحقّة لإطلاق اسم الكتاب عليها ، ولا يمكن القول بأنّ هذا الإطلاق كان من باب المشارقة حيث (١) إنّه كان يعلم أنّ بعد وفاته صلىاللهعليهوآله يجمع ما انزل عليه ويكون كتابا ، [ لأنّا ] نعلم أنّ التسمية كانت بعد تدوين مقدار من السّور والآيات المنزلة وتحقّق مصداق الكتاب ، ولذا لم يذكر في السور القصار المكيّة التي كانت من أوائل ما نزل لفظ الكتاب.
والحاصل : أنّ لفظ الكتاب بعد ثبوت كونه حقيقة عرفيّة في مطالب مرتّبة مجموعة مدوّنة ظاهر في أنّ كلّ آية تضمّنته كقوله : ﴿ذلِكَ الْكِتابُ﴾ أو ﴿تَنْزِيلُ الْكِتابِ﴾ أو ﴿إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ﴾ أو ﴿تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ﴾(٢) نزلت بعد تحقّق مصداقه وتدوين سور وآيات مرتّبة مجموعة في أوراق وصفحات أو أكتاف أو عسب مجتمعة ، ولا يلزم الالتزام بنزول جميع الآيات والسور قبل هذا الإطلاق حتّى يعترض عليه بأنّه خلاف الإجماع والمتواتر من الأخبار من أنّ القرآن نزل متدرّجا إلى قبيل وفاته بأيّام أو ساعات.
نعم ، يلزم القول بتغيير مصداق الكتاب صغرا وكبرا ، بسبب انضمام ما ينزل فيما بعد التدوين إليه تدريجا ، فيرجع الكلام إلى أنّ جميع القرآن في كلّ زمان ، وكتاب الله في كلّ وقت ، كان مقدارا من هذا المجموع الذي بأيدينا ، وبضمّ الآيات شيئا فشيئا بلغ ما بلغ.
فما ذكره المرتضى رضوان الله عليه من أنّ القرآن كان عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله محموعا مؤلّفا على ما هو عليه الآن ، وأن جماعة من الصّحابة مثل عبد الله بن مسعود وأبيّ بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبيّ صلىاللهعليهوآله عدة ختمات (٣) ، حقّ غير مخدوش ، فإنّ المراد جمعه وختمه بمقدار المنزل في وقت الختم والجمع ، فإنّ تمام القرآن كان في وقت الختم ذلك المقدار الذي ختموه ، وليس مراده ختم جميع ما انزل إليه إلى حين وفاته.
وليت شعري ، كيف قال عمر في مرض النبيّ صلىاللهعليهوآله بعد أمره بإحضار الدّواة والكتف : إنّ الرجل ليهجر ، حسبنا كتاب الله ! (٤) مع كون آيات الكتاب متفرّقة بين الأصحاب ، وعدم علم أحد غير أمير المؤمنين عليهالسلام بجميعها ، وعدم معرفة مثل زيد بن ثابت بها ، حتّى نقل عنه أنه جمعها بشهادة الشهود
__________________
(١) في نسخة : بملاحظة.
(٢) البقرة : ٢ / ٢ ، السجدة : ٣٢ / ٢ ، الزمر : ٣٩ / ٤١ ، يونس : ١٠ / ١.
(٣) مجمع البيان ١ : ٨٤.
(٤) راجع : صحيح مسلم ٣ : ١٢٥٧ / ١٦٣٧ ، مسند أحمد ١ : ٢٢٢ ، مسند أبي يعلى ٤ : ٢٩٨ / ٢٤٠٩ ، البداية والنهاية ٥ : ٢٠٠ ، تاريخ الطبري ٣ : ١٩٣ ، تاريخ ابن خلدون ٢ : ٤٨٥.