فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فقرأها رسول الله صلىاللهعليهوآله ، قال : « من طلّق ، أو حرّر ، أو نكح ، فزعم أنّه لاعب ، فهو جدّ » (١) .
ثمّ بعد المبالغة في التّهديد ببيانات مختلفة رغّبهم في الطّاعة بتذكير نعمه بقوله : ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ﴾ التّي أنعمها ﴿عَلَيْكُمْ﴾ فإنّ من أتمّها وأكملها هدايتكم إلى ما فيه صلاحكم في الدنيا والآخرة ﴿وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ﴾ ببركة النبيّ الأمّي ﴿مِنَ الْكِتابِ﴾ المجيد ﴿وَالْحِكْمَةِ﴾ من العلوم النّظريّة والمعارف وكشف الحقائق ، والعلوم العمليّة من الأحكام والأخلاق ، لأن ﴿يَعِظُكُمْ بِهِ﴾ ويؤدّ بكم بآدابه. فقابلوا نعمه بالشّكر ، وأطيعوا أحكامه ﴿وَاتَّقُوا اللهَ﴾ واحذروه في مخالفته وعصيانه ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ من مصالحكم ومفاسدكم ، وأعمالكم ونيّاتكم ﴿عَلِيمٌ﴾ لا تخفى عليه خافية ، فيجازيكم بما تستحقّون. وهذا تهديد فوق التّهديدات السابقة.
﴿وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا
تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢٣٢)﴾
ثمّ بيّن الله تعالى الحكم السادس من أحكام الطّلاق ، وهو حكم طلاق المرأة بعد انقضاء عدّتها بقوله : ﴿وَإِذا طَلَّقْتُمُ﴾ أيّها المؤمنون ﴿النِّساءَ﴾ والأزواج ، بأن وقع الطّلاق من بعض - وهذا من باب نسبة الفعل إلى القبيلة بوقوعه من أحدهم - ﴿فَبَلَغْنَ﴾ واستوفين ﴿أَجَلَهُنَ﴾ المضروب لعدّتهنّ ﴿فَلا تَعْضُلُوهُنَ﴾ ولا تمنعوهنّ من ﴿أَنْ يَنْكِحْنَ﴾ ويتزوّجن ﴿أَزْواجَهُنَ﴾ الّذين طلّقوهنّ.
فيكون حاصل المعنى ، والله العالم : إذا صدر من أحدكم طلاق ، فلا يصدر من أحدكم منع عن التّزوّج بأزواجهنّ ظلما ﴿إِذا﴾ كان الزوجان ﴿تَراضَوْا﴾ بالمواصلة ﴿بَيْنَهُمْ﴾ ملابسين ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ والمستحسن عند الشرع بإيقاع العقد وحفظ شرائط الصحّة ورعاية الأحكام والحقوق.
وروي أنّ معقل بن يسار زوّج اخته جميل بن عبد الله بن عاصم ، فطلّقها ثمّ تركها حتّى انقضت عدّتها ، ثمّ ندم فجاء يخطبها لنفسه ، فرضيت المرأة بذلك ، فقال لها معقل : إنّه طلّقك ثمّ تريدين
__________________
(١) تفسير الرازي ٦ : ١١٠.