لهم بحسب العادة [ من ] تهيئة لوازم الكتابة من القلم والمداد والأوراق ، أو غير ذلك من الأشياء القابلة للكتابة ، حتّى لا يكون لهم تعطيل في موقع الحاجة والقيام بالوظيفة وحفظ الترتيب وإيراد كلّ سورة أو آية في محلّها وموردها ، حتّى لا يحصل لهم تحيّر وكلفة في الكتابة ، وبعيد غايته أنّهم كانوا يكتبون الآيات في أوراق متفرّقة غير منتظمة ، بحيث إذا أمرهم النبي صلىاللهعليهوآله أن يضعوا آية كذا في موضع كذا ، كانوا يدوّرون (١) تلك الأوراق ويفتّشون الصحائف المتشتّتة حتّى يجدوا موقعها.
والحاصل : أنّ التأمّل الصادق قاض بأنّ الكتّاب الذين كان منهم أمير المؤمنين عليهالسلام كانوا قد جمعوا جميع الآيات المنزلة على الترتيب الذي كان يأمرهم به النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ولم يكونوا غير معتنين بجمعه وترتيبه ، ولا يمكن القول بأنّهم كتبوا الآيات في أشياء متفرّقة من غير ترتيب ونظم إلى أن دعا الله نبيّه صلىاللهعليهوآله إلى جواره ، وتقمّص أبو بكر خلافته ، وأتّفق قتل كثير من القرّاء باليمامة ، ولم تكن في جميع المدّة نسخة مجموعة من الكتاب العزيز بين المسلمين ، وكان أربعة أو خمسة من الصحابة حافظين لجميع القرآن ، وتالين له عن ظهر القلب ، وغيرهم لم يكونوا مطّلعين إلّا بقليل من آياته ، وكان عند كلّ منهم جزء قليل منه حتّى صمّم أبو بكر وعمر لخوف ذهاب القرآن ، على جمعه وترتيبه وكتابة نسخة منه ، كما رواه بعض العامّة.
روى البخاري عن زيد بن ثابت ، قال : أرسل [ إليّ ] أبو بكر بعد مقتل أهل اليمامة ، فإذا عمر بن الخطّاب عنده ، فقال أبو بكر : إنّ عمر أتاني فقال : إنّ القتل قد استحرّ (٢) يوم اليمامة بقرّاء القرآن ، وإنّي أخشى أن يستحرّ بالقرّاء في المواطن فيذهب كثير من القرآن ، وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر : كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلىاللهعليهوآله ؟ قال عمر : هو والله خير. فلم يزل [ عمر ] يراجعني حتّى شرح الله صدري لذلك ، ورأيت الذي رأى عمر.
قال زيد : قال أبو بكر : إنّك [ رجل ] شابّ عاقل لا نتّهمك ، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، فتتبّع القرآن واجمعه. قال زيد : فو الله لو كلّفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ ممّا أمرني به من جمع القرآن. قلت : كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلىاللهعليهوآله. قال : هو والله خير.
فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للّذي شرح له صدر أبي بكر وعمر ، فتتبّعت
__________________
(١) كذا ، ومراده يبحثون ، والكلمة عامية عراقية تؤدّي هذا المعنى.
(٢) استحرّ القتل : اشتدّ.