شطّ النّهر. فعرف طالوت الموافق من المخالف.
وأعلم أنّ مثل الدّنيا مثل هذا النّهر ، فمن لم يقنع بالكفاف لا يشبع إلّا بتراب القبر.
وعن الصادق عليهالسلام أنّه قال : « القليل - الّذين لم يشربوا ، ولم يغترفوا - ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا » (١) .
﴿فَلَمَّا جاوَزَهُ﴾ أي عبر النّهر ﴿هُوَ﴾ أي طالوت ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ رأوا قوة جالوت وكثرة جنوده ، خافوا و﴿قالُوا﴾ عن الصادق عليهالسلام ، في رواية : « قال الّذين شربوا منه » (٢) : ﴿لا طاقَةَ﴾ ولا قوّة ﴿لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾ وبمحاربتهم.
قيل : كانوا مائة ألف مقاتل ، كلّهم شاكي السّلاح (٣) ، وكان جالوت رأس العمالقة وملكهم ، وكان من أشدّ النّاس وأقواهم ، وكان يهزم الجيوش وحده.
﴿قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ﴾ ويتيقّنون بالمعاد ولقاء كرامة الله وثوابه ، ولم يلههم حبّ الدّنيا ولذّاتها ، للمرعوبين من كثرة عدّة العدوّ وشوكتهم : اثبتوا في القتال ولا تنظروا كثرة العدوّ فإنّه ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ﴾ وفرقة ﴿قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ﴾ وهزمت ﴿فِئَةٍ﴾ وجماعة ﴿كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ﴾ وإرادته ونصرته ﴿وَاللهُ﴾ بتأييده ومعونته ﴿مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ في طاعته وقتال عدوّه ، فلا عبرة بكثرة العدوّ ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ﴾(٤) .
﴿وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا
وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٥٠) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ
اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ
لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٢٥١)﴾
﴿وَلَمَّا بَرَزُوا﴾ في ميدان الحرب ﴿لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾ وتهيّأوا لقتالهم مع ما رأوا من قلّة عددهم وضعفهم ، وكثرة عدوّهم وشوكتهم ، تضرّعوا إلى الله في طلب الإعانة والنّصرة ﴿قالُوا﴾(٥)﴿رَبَّنا﴾ ويا من بيده تدبير امورنا على وفق صلاحنا ﴿أَفْرِغْ﴾ واصبب ﴿عَلَيْنا صَبْراً﴾ في منازلتهم ، وأعطنا
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٨٣.
(٢) تفسير القمي ١ : ٨٣.
(٣) تفسير روح البيان ١ : ٣٨٨ ، ورجل شاكي السلاح : تام السلاح كامل الاستعداد.
(٤) آل عمران : ٣ / ١٦٠.
(٥) في النسخة : بقولهم.