﴿وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ﴾ وفي رواية : علّمه صنعة الحديد ، وليّنه له (١) . وقيل : منطق الطّير والنّمل. وقيل : الحكم والقضاء. وقيل : الألحان (٢) . ولا يبعد أن يكون المراد هو الجميع.
ثمّ بعد بيان منّته على بني إسرائيل بدفع جالوت وجنوده عنهم ونعمه عليهم ، بيّن أنّ هذه النّعمة عامّة لجميع أهل العالم بقوله : ﴿وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ﴾ الكفّار ﴿بِبَعْضٍ﴾ المؤمنين.
وروي عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « أي يدفع الهلاك بالبرّ عن الفاجر » (٣) الخبر. ولعلّ المراد أنّ الله يدفع البلاء ببركة الأخيار عن الفجّار ، فيسلم ويعيش أهل الفسق والفجور بسبب وجود عباده الصّالحين ، ولولاهم لمنعت السّماوات والأرض بركاتها.
ويحتمل أن يكون المراد : لو لا دفع الله النّاس بعضهم عن المنكرات ؛ بنهي بعضهم ﴿لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ﴾ بمن فيها ﴿وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ﴾ جميعا ، فيدفع بفضله هذا النّحو من الدفع حتى لا يعمّهم الفساد ، فيمتنع الكافر بكفره قليلا ، ويربح المؤمن بكسبه جزيلا.
﴿تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢٥٢)﴾
﴿تِلْكَ﴾ القصص العجيبة الخارقة للعادة ﴿آياتُ اللهِ﴾ ودلائل صنعه ، وتوحيده ، وحكمته ﴿نَتْلُوها عَلَيْكَ﴾ وحيا ، أو ننزّلها إليك بتوسّط جبرئيل حال كونها مقرونة ﴿بِالْحَقِ﴾ المطابق للواقع ، لا يعتريه شكّ ولا ريب ﴿وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ فاتل تلك الآيات على النّاس ليعتبروا ويهتدوا ، وإن أصرّوا على الكفر ، فإنّما عليك البلاغ المبين ، وفيه إشعار بأنّه غنيّ عن الاعتبار بتلك الآيات ، فإنّ الشّهود والعيان مغن عن الدّليل والبرهان ، وإنّما عليه تلاوتها على النّاس ؛ لأنّ وظيفته الرّسالة.
﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ
وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ
الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ
وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (٢٥٣)﴾
__________________
(٢) مجمع البيان ٢ : ٦٢١ ، تفسير روح البيان ١ : ٣٩١ ، تفسير الرازي ٦ : ١٨٩.
(٣) مجمع البيان ٢ : ٦٢١ ، تفسير الصافي ١ : ٢٥٧.