تجارة يكتسب بها ﴿فِيهِ﴾ مال يفيد أحدا ، ويكون فداء لنفس ﴿وَلا خُلَّةٌ﴾ وصداقة فيه بين النّاس ، بل الأخلّاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ ﴿وَلا شَفاعَةٌ﴾ نافعة إذ الشّفعاء لا يشفعون إلّا لمن ارتضى.
والحاصل : أنّه لمّا كانت أسباب جلب المنافع في الدّنيا منحصرة بالمعاوضات ، وعمدتها البيع ، وبالموادّة بالصّلات والهدايا ، وبالمعاونة للغير ، وعمدتها الشّفاعة ، والإنسان منقطع عن جميعها في الآخرة ، فعليه أن يكتسب نفع الآخرة في الدّنيا بالإنفاق والعمل الصّالح.
ويحتمل أن يكون المراد من الإنفاق بذل جميع ما كان واجدا له بعطاء الله من النّفس في الجهاد ، والقوى في الطاعات ، والعلم في هداية الخلق ، والمال لفقراء المؤمنين ، والجاه في قضاء حوائج العباد ، وغير ذلك ممّا يمكن صرفه في تحصيل مرضاة الله.
﴿وَالْكافِرُونَ﴾ بترك الطّاعة وعدم الإنفاق ﴿هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ على أنفسهم ولبلوغهم في هذا الوصف غايته ، كأنّ المتصّف بهذا الوصف صار منحصرا بهم ، لا يشركهم فيه غيرهم.
وقيل : المراد من الكافرين المؤمنون التّاركون للزّكاة ، والتعبير عنهم بالكافرين للإشعار بأنّ ترك الزّكاة بمنزلة الكفر بالله. وقال بعض : الحمد لله الذي قال : ﴿وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ ولم يقل الظّالمون هم الكافرون (١) .
﴿اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما
فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ
وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا
يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٢٥٥)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ما ذكر جملة من الأحكام والقصص ، عاد إلى بيان التّوحيد وصفاته الكاملة الجلاليّة ، ليحصل للقلوب نور ونشاط ، وللصدور انشراح وانبساط ، بقوله : ﴿اللهُ﴾ وفي ذكر اسم الجلاليّة ، ليحصل للقلوب نور ونشاط ، وللصدور انشراح وانبساط ، بقوله : ﴿اللهُ﴾ وفي ذكر اسم الجلالة أوّلا إشارة إلى التّوحيد الذّاتي ، لإشعار ذكره بانفراده بأنّ الموجود القابل للذّكر هو الذّات المقدّسة ، وما سواه عدم محض وليس صرف ، كما قال : ﴿قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ﴾(٢) الآية.
ثمّ أشار إلى التّوحيد الصّفاتي بقوله : ﴿لا إِلهَ﴾ ولا معبود يستحقّ بذاته عبوديّة جميع الموجودات
__________________
(١) تفسير الرازي ٦ : ٢٠٧.
(٢) الأنعام : ٦ / ٩١.