للمؤمنين ، وكأنّه تعالى قال : ﴿وَ﴾ ألم تر ، أو ﴿وَ﴾ اذكر ﴿إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ﴾ استدعاء واستعطافا : ﴿رَبِّ أَرِنِي﴾ بلطفك على أنّك ﴿كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى﴾ وبصّرني كيفيّة الإحياء وهيئته بعد العلم بأصله إجمالا.
قيل : إنّه تعالى ذكر اسم إبراهيم هنا لإظهاره العبوديّة ، وحفظه للأدب ، حيث أثنى على الله أوّلا بتوصيفه بالرّبوبيّة ، بخلاف النبيّ الذي مرّ على القرية ، ولذلك جعل الله الإماتة والإحياء في قصّة إبراهيم عليهالسلام في الطّيور ، وفي قصّة النبيّ في نفسه. ويمكن أن يكون وجه ذكر اسمه عليهالسلام عظمة شأنه وكرامته عند الله ، زيادة على عزير وعلى من هو أعظم منه.
وفي قول إبراهيم : ( ربّي ) إشعار بأنّ من كمال الدّعاء وموجبات سرعة الإجابة ، الثّناء على الله قبل الدّعاء.
وعن جمع من المفسّرين أنّ إبراهيم رأى جيفة مطروحة في شطّ البحر ، فإذا مدّ البحر أكل [ منها ] دوابّ البحر ، وإذا جزر جاءت السّباع فأكلت ، وإذا ذهبت السّباع جاءت الطّيور فأكلت وطارت. فقال إبراهيم : ربّ أرني كيف تجمع أجزاء الحيوان من بطون السّباع والطّيور ودوابّ البحر (١) .
﴿قالَ﴾ الله وحيا : ألم تعلم ﴿أَ وَلَمْ تُؤْمِنْ﴾ بأنّي قادر على الإحياء كيف أشاء ؟ ! ﴿قالَ﴾ إبراهيم : ﴿بَلى﴾ آمنت وأيقنت ﴿وَلكِنْ﴾ سألت هذا ﴿لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ وينضمّ علمي بالبرهان ؛ بالشّهود والعيان.
قيل : إنّ سؤال الله تعالى مع علمه بقوّة يقين إبراهيم ؛ ليعلم النّاس أنّه عليهالسلام لم يكن على شكّ ، وللإشعار بأنّ على المؤمن أن يكون في طلب زيادة اليقين والارتقاء إلى درجة الشّهود.
عن العيّاشي : سئل الرضا عليهالسلام أكان في قلب إبراهيم شكّ ؟ قال : « لا ، كان على يقين ، (٢) ولكنّه أراد من الله الزيادة في يقينه » . (٣)
وقيل : إنّه عليهالسلام بعد مناظرته مع نمرود لمّا قال : ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾(٤) فأطلق محبوسا (٥) وقتل رجلا ، قال [ إبراهيم ] : ليس هذا بإحياء وإماتة ، وعند ذلك قال : ﴿رَبِّ أَرِنِي
__________________
(١) تفسير الرازي ٧ : ٣٨.
(٢) ( كان على يقين ) ليس في المصدر.
(٣) تفسير العيّاشي ١ : ٢٦٦ / ٥٧٦ ، تفسير الصافي ١ : ٢٧٠.
(٤) البقرة : ٢ / ٢٥٨.
(٥) أي نمرود.