محلّها ، وبرودة هوائها.
قيل : إنّ المطر الخفيف ورطوبة الهواء إذا داما يفيدان فائدة المطر العظيم.
وقيل : إنّ المراد أنّ الطلّ يكفي لأن يكون لها ثمر ، إن كان ثمرها دون الضّعف ، وعلى أي تقدير لا تبقى بلا ثمر.
عن العيّاشي : عن الباقر عليهالسلام : « أنّها نزلت في عليّ صلوات الله عليه » (١) .
﴿وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ﴾ من الإنفاقات وسائر العبادات ﴿بَصِيرٌ﴾ ومطّلع كالناظر إليه ، لا يمكن أن تخفى عنه قليلة وكثيرة ؛ فيجازي بأضعاف الجزاء وأحسنه.
﴿أَ يَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ
فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ
نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢٦٦)﴾
ثمّ أنّه تعالى للمبالغة في توضيح بطلان صدقات المانّ والمؤذي وحسرتهما على حبطها ، مع كمال الحاجة إليها ، ضرب مثلا آخر بقوله : ﴿أَ يَوَدُّ أَحَدُكُمْ﴾ أيّها المؤمنون العقلاء ﴿أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ﴾ وبستان تكون أكثر أشجارها ﴿مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ﴾ هما أنفع الأشجار وأشرفها ، ومع ذلك ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ﴾ فإذن تكون في غاية الحسن والنّظارة والنّفع ، ثمّ مع هذين الجنسين من الأشجار الجامعة لفنون المنافع يكون ﴿لَهُ فِيها﴾ رزق وافر ، وحظّ متكاثر ﴿مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ﴾ الأخر.
وتخصيص النّخل والعنب - مع دخولهما في عموم الثّمرات - وتقديمهما ، لكونهما الأصل والرّكن فيها ، وأكرم الأشجار وأنفعها.
ثمّ بعد بيان صفة الجنّة ، وكمال نفعها بحيث لا يتصوّر أحسن وأنفع منها ، بيّن شدّة حاجة صاحبها إليها ، وإلى منافعها بقوله : ﴿وَ﴾ الحال أنّه ﴿أَصابَهُ الْكِبَرُ﴾ والهرم والضّعف الذي هو مقتضي لشدّة الحاجة إلى منافعها ، والعجز عن تدارك أسباب المعاش من غيرها ﴿وَلَهُ﴾ مع ذلك الهرم والضّعف ﴿ذُرِّيَّةٌ﴾ وأولاد ﴿ضُعَفاءُ﴾ عجزة عن تحصيل القوت الذي يسدّون به الرّمق ، لأجل الصّغر والضّعف ، فكلّهم صاروا كلّا على والدهم الضّعيف ، وحياتهم ومعاشهم على هذا الفرض منوطان
__________________
(١) تفسير العياشي ١ : ٢٧٢ / ٥٨٩.