نيّاتهم ؛ فينجز ما وعده على إنفاقكم ، ولا يضيع أجركم.
﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ
أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٦٩)﴾
ثمّ أنّه تعالى - بعد ما نبّه على وعد الشيطان وتسويله ، ووعد الرّحمن وإلهامه - أشار إلى أنّ ترجيح الثانّي على الأوّل متوقّف على العقل السليم والعلم والتّوفيق للعمل بقوله : ﴿يُؤْتِي﴾ الله ﴿الْحِكْمَةَ﴾ قيل : هي العلم ، وتوفيق العمل (١) .
عن الصادق عليهالسلام : « الحكمة : المعرفة ، والفقه في الدّين ، فمن فقه منكم فهو حكيم ، وما [ من ] أحد يموت من المؤمنين أحبّ إلى إبليس من فقيه » (٢) .
وعنه عليهالسلام قال : « طاعة الله ، ومعرفة الإمام » (٣) .
وعنه عليهالسلام في رواية اخرى : « معرفة الإمام ، واجتناب الكبائر » (٤) .
وقيل : هي القرآن وما فيه من المواعظ وعجائب الأسرار (٥) . ومرجع الجميع إلى المعنى الواحد ، وهو معرفة الله والعلم بالأحكام ، ومن الواضح أنّ طريقهما منحصر بمعرفة النبيّ والإمام ، والعلم بحقيقة القرآن وأسراره.
والتّوفيق للعمل ملازم لهذه المعارف ، فإنّ جميعها هو الحكمة التي تكون فضلا من الله يعطيه ﴿مَنْ يَشاءُ﴾ ويختاره من النفوس الزّكيّة والذّوات الطّيّبة ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ﴾ من قبل الله ، وبإفاضته وتفضّله ﴿فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً﴾ ونفعا ﴿كَثِيراً﴾ لا يعدله خير في الدّنيا والآخرة.
عن الصادق عليهالسلام : « الحكمة ضياء المعرفة ، وميراث (٦) التّقوى ، وثمرة الصّدق. وما أنعم الله على عباده بنعمة أنعم وأعظم وأرفع وأبهى من الحكمة » (٧) .
قيل : إنّما سمّى الله الدّنيا بأسرها قليلا حيث قال : ﴿قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ﴾(٨) . وسمّى الحكمة خيرا
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ٤٣١.
(٢) تفسير العياشي ١ : ٢٧٦ / ٦٠٣ ، تفسير الصافي ١ : ٢٧٦.
(٣) الكافي ١ : ١٤٢ / ١١ ، تفسير الصافي ١ : ٢٧٦.
(٤) الكافي ٢ : ٢١٦ / ٢٠ ، تفسير الصافي ١ : ٢٧٦.
(٥) تفسير الرازي ٧ : ٦٧.
(٦) في مصباح الشريعة : وميزان.
(٧) مصباح الشريعة : ١٩٨ ، تفسير الصافي ١ : ٢٧٦ ، وفي مصباح الشريعة : الحكمة للقلب.
(٨) تفسير الرازي ٧ : ٦٧ ، والآية من سورة النساء : ٤ / ٧٧.