وعن ابن عبّاس رحمهالله : صدقة السّرّ في التّطوّع تفضل علانيتها بسبعين ضعفا ، وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرّها بخمسة وعشرين ضعفا (١) .
﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ
وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا
تُظْلَمُونَ (٢٧٢)﴾
ثمّ أنّه قيل : لمّا كثر المسلمون (٢) نهى رسول الله صلىاللهعليهوآله عن الإنفاق على المشركين حتّى تحملهم الحاجة على الدّخول في الإسلام ، فنزلت (٣)﴿لَيْسَ﴾ بالواجب ﴿عَلَيْكَ هُداهُمْ﴾ وإرشادهم جبرا ، وإدخالهم في دين الإسلام اضطرارا ، بل إنّما عليك البلاغ والإرشاد بالبيان والدّعوة إلى الحقّ ، والمجادلة بالتي هي أحسن والوعظ والنّصح ﴿وَلكِنَّ اللهَ﴾ بتوفيقه وتأييده ﴿يَهْدِي﴾ ويوصل إلى الحقّ ﴿مَنْ يَشاءُ﴾ هدايته وإيصاله إليه من النّفوس الزّكيّة والذّوات المستعدّة القابلة التّابعة للعقل.
وروي أنّ نتيلة امّ أسماء بنت أبي بكر جاءت إلى ابنتها تسألها ، وكذلك جدّتها - وهما مشركتان - فقالت : لا اعطيكما حتى أستأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فإنّكما لستما على ديني ، فاستأمرته في ذلك ، فنزلت [ الآية ] فأمرها رسول الله صلىاللهعليهوآله أن تتصدّق عليهما (٤) .
وقيل : كان اناس من الأنصار لهم قرابة من قريظة والنّضير ، وكانوا لا يتصدّقون عليهم ، ويقولون ما لم تسلموا لا نعطيكم شيئا (٥) .
وقيل : جيء بها على طريق تلوين الخطاب ، وتوجيهه إلى شخص النبيّ صلىاللهعليهوآله للمبالغة في إقبال المؤمنين على الامتثال.
ثمّ صرّح بتأكّد رجحانه وكثرة الثواب عليه لعموم المؤمنين بقوله : ﴿وَما تُنْفِقُوا﴾ وأي شيء تتصدّقوا أيّها المسلمون ﴿مِنْ خَيْرٍ﴾ ومال ، كان المنفق عليه كافرا أو مسلما ﴿فَلِأَنْفُسِكُمْ﴾ نفعه وثوابه ، لا لغيركم ، ولا يضرّكم كفر الفقير.
__________________
(١) تفسير أبي السعود ١ : ٢٦٤ ، تفسير روح البيان ١ : ٤٣٣.
(٢) في تفسير أبي السعود وتفسير روح البيان : كثر فقراء المسلمين.
(٣) تفسير أبي السعود ١ : ٢٦٤ ، تفسير روح البيان ١ : ٤٣٤.
(٤) تفسير الرازي ٧ : ٧٦.
(٥) تفسير الرازي ٧ : ٧٦.