وعشائر بالمدينة ، وكانوا ملازمين للمسجد ساكنين في صفّته (١) ؛ وهي مسقّفة ، يتعلّمون القرآن باللّيل ، ويستغرقون أوقاتهم بالتّعلّم والعبادة والجهاد ، ويخرجون في كلّ غزوة وسريّة بعثها رسول الله صلىاللهعليهوآله (٢) .
عن ابن عبّاس ، قال : وقف رسول الله صلىاللهعليهوآله يوما على أصحاب الصّفّة ، فرأى فقرهم وجهدهم (٣) ، فطيّب قلوبهم فقال : « أبشروا يا أصحاب الصّفّة ، فمن لقيني من امّتي على النّعت الذي أنتم عليه ؛ راضيا بما فيه ، فإنّه من رفقائي » (٤) .
وعن ابن عبّاس رحمهالله ، في تفسير الآية قال : هؤلاء قوم (٥) حبسهم الفقر عن الجهاد في سبيل الله ، فعذرهم الله (٦) .
ثمّ بعد بيان واقع حالهم ، بيّن حال عشرتهم وسلوكهم مع النّاس بقوله : ﴿يَحْسَبُهُمُ﴾ ويظنّهم ﴿الْجاهِلُ﴾ بحالهم وشأنهم غير المختبر لأمرهم كونهم ﴿أَغْنِياءَ مِنَ﴾ أجل غاية ﴿التَّعَفُّفِ﴾ وكفّ النّفس عن مسألة النّاس ، وإظهار الحاجة إليهم. روي أنّهم كانوا يقومون باللّيل للتّهجّد ، ويحطبون بالنّهار للتّعفّف (٧) .
ثمّ كأنّه قيل : فكيف يعرف فقرهم ؟ فقال سبحانه : ﴿تَعْرِفُهُمْ﴾ بالفقر والفاقة ﴿بِسِيماهُمْ﴾ وعلامات الفقر فيهم من صفرة اللّون ، ونحول الجسم ، وضعف القوى ، ورثاثة الثّياب ، وأمثال ذلك.
ثمّ لمّا كان الإنسان لا يكاد يخلوا عن الاضطرار إلى السؤال وطلب الحاجة من الغير ، ولو بالغ في التّعفّف ، وصفهم سبحانه - بعد توصيفهم بالمبالغة في التّعفّف - بأنّهم قوم إذا اضطرّوا إلى سؤال حاجة دنيويّة ﴿لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ﴾ حاجتهم ﴿إِلْحافاً﴾ وإلحاحا.
عن ابن مسعود : أنّ الله يحبّ العفيف المتعفّف ، ويبغض الفاحش البذيء.
وقيل : السائل الملحف : الذي إن اعطي كثيرا أفرط في المدح ، وإن اعطي قليلا أفرط في الذّمّ (٨) .
وعن رسول الله صلىاللهعليهوآله : « لا يفتح أحد باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر ، ومن يستغن يغنه الله ، ومن يستعفف يعفّه الله ، لأن يأخذ أحدكم حبلا يحتطب فيبيعه بمدّ من تمر ، خير له من أن يسأل
__________________
(١) الصّفّة : المكان المظلّل في مسجد المدينة ، حيث كان يأوي إليه فقراء المهاجرين ويرعاهم الرسول صلىاللهعليهوآله ، وهم أصاب الصفّة.
(٢) تفسير الرازي ٧ : ٧٩.
(٣) في تفسير الرازي : وجدهم.
(٤) تفسير الرازي ٧ : ٧٩ ، وفيه : من رفاقي.
(٥) زاد في تفسير الرازي : من المهاجرين.
(٦) تفسير الرازي ٧ : ٨٠. (٧) تفسير الرازي ٧ : ٨١.
(٨) تفسير الرازي ٧ : ٨١.