ثمّ بعد ما بيّن سبحانه إعراضه عن الكفرة العصاة وبغضه إيّاهم ، أعلن بحبّه لأهل الإيمان ، وإقباله برحمته وثوابه إلى المطيعين ومعطي الزّكاة والصّدقات بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ، ورسوله ، وكتابه ، ودينه ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ﴾ التي تكون من وظائف الإيمان ﴿وَأَقامُوا الصَّلاةَ﴾ وأتوا بها بحدودها من أجزائها وشرائطها وما يعتبر في صحّتها ﴿وَآتَوُا الزَّكاةَ﴾ وصرفوها في مصارفها المقرّرة وفي تخصيص الصّلاة والزّكاة بالذّكر مع دخولهما في الأعمال الصّالحات ، دلالة على كمال الاهتمام بهما وكونهما من أعظم الواجبات ﴿لَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ وثوابهم الموعود ، حال كونه مذخورا ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ ومالكهم الرّؤوف بهم ﴿وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ من لقاء مكروه ، ونقص أجر ﴿وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ على مفارقة الدّنيا وما فيها ، وتنزّل الدّرجة في الآخرة.
عن ابن عبّاس رحمهالله : لا خوف عليهم فيما يستقبلهم من أحوال القيامة ، ولا هم يحزنون بسبب ما تركوه في الدّنيا (١) ، وعلى ما فاتهم من النّعم الزّائدة التي حصلت لغيرهم من السّعداء.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ
تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا
تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (٢٧٩) وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ
لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٨٠)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان حلّيّة الرّبا الذي كان قبل النّهي عنه ، بيّن اختصاصها بالرّبا المقبوض من الغريم دون غير المقبوض ، بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ﴾ واحذروه في مخالفة حكمه وصونوا أنفسكم من عقابه ﴿وَذَرُوا﴾ واتركوا ﴿ما بَقِيَ﴾ عند الغريم ﴿مِنَ الرِّبا﴾ بالكلّيّة ، ولا تطالبوا منه ما لم تقبضوه ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ بالله واليوم الآخر ، فإنّ لازم الإيمان الالتزام بأحكام الله ، وترك مطالبة بقيّة الّربا. وفيه غاية التّهديد ، لدلالته على أنّ مطالب البقيّة خارج عن الإيمان.
عن الصادق (٢) عليهالسلام : « أنّ الوليد بن المغيرة كان يربي في الجاهليّة ، وبقي له بقايا على ثقيف ، فأراد خالد بن الوليد المطالبة بها - بعد أن أسلم - فنزلت [ الآية ] » (٣) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٧ : ٩٧.
(٢) في مجمع البيان وتفسير الصافي : عن أبي جعفر الباقر.
(٣) مجمع البيان ٢ : ٦٧٣ ، تفسير الصافي ١ : ٦٧٣.