وما روي من أنّ جبرئيل عليهالسلام لمّا أتى بآية : ﴿وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ﴾(١) قال : ضعها بين آيتي الرّبا والدّين (٢) . وفي رواية : ضعها بعد مائتين وثمانين آية من سورة البقرة (٣) .
وما روي عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : « أعطيت مكان التوراة السبع الطوال » (٤) ، وغير ذلك من الروايات.
وممّا ذكرنا ظهر أنّه بعد ما ثبت أنّ جمع الكتاب الكريم كان في زمان النبي صلىاللهعليهوآله وبأمره ، لا بدّ من القول بكون ترتيب جميع آياته وسوره مطابقا للترتيب الذي أوحى الله به إلى نبيّه صلىاللهعليهوآله ، وموافقا لما نزل به جبرئيل عليهالسلام ، فكلّما نزل من الآيات والسور كان يأمر النبيّ صلىاللهعليهوآله كتّاب الوحي بكتابتها في موضعها الذي يأمر جبرئيل بوضعها في ذلك الموضع ، مع أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله كما كان مأمورا بتبليغ أصل الآيات والسور إلى الأمّة ، كان مأمورا بتبليغ نظمها وترتيبها إليهم ، ولا يمكن منه التقصير في التبليغ وأداء وظيفة الرسّالة ، فكلّ من كان حافظا للآيات والسور ، كان عالما بترتيبها ونظمها ، وكلّ من جمع القرآن في عصره صلىاللهعليهوآله كان جمعه على الترتيب المأمور به ، مع أنّ كثيرا من الصحابة كانوا يعرضون على النبي صلىاللهعليهوآله كلّ ما حفظوه من القرآن أو جمعوه ، فلو لم يكن على الترتيب المنزل لكان النبيّ صلىاللهعليهوآله يغيّره.
فتحصّل من جميع ذلك أنّ كلّ ما كتبه كتّاب الوحي ، وكلّ ما جمعه الصّحابة من القرآن في عصر النبيّ صلىاللهعليهوآله ، لا جرم كان موافقا في النظم والترتيب لما كان له من النظم في اللّوح المحفوظ.
ويؤيّد ذلك ما روي عن ابن الزبير ، قال : قلت لعثمان : ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ﴾(٥) قد نسختها الآية الاخرى فلم تكتبها أو (٦) تدعها ؟ قال : يابن أخي لا أغيّر شيئا منه من مكانه (٧) .
وما رواه مسلم ، عن عمر ، قال : ما سألت النبيّ صلىاللهعليهوآله عن شيء أكثر ممّا سألته عن الكلالة حتّى طعن بإصبعه في صدري ، وقال : « تكفيك آية الصيف (٨) التي في آخر سورة النساء » (٩) .
__________________
(١) البقرة : ٢ / ٢٨١.
(٢) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٢١٧.
(٣) تفسير الرازي ٧ : ١٠٤.
(٤) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٢١٨.
(٥) البقرة : ٢ / ٢٤٠.
(٦) في المصدر : ولم.
(٧) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٢١٣.
(٨) قال الجزري في شرح الحديث : أي التي نزلت في الصيف ، وهي الآية التي في آخر سورة النساء ، والتي في أولها نزلت في الشتاء. النهاية ٣ : ٦٨.
(٩) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٢١٣.