وما روته عائشة من أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله كان يقرأ في الليل سورة البقرة ، وآل عمران ، والنساء (١) .
وقال السيد المرتضى رضوان الله عليه : إنّ القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان ، أي عصر النبيّ صلىاللهعليهوآله - إلى أن قال : - وإنّ جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأبيّ بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبيّ صلىاللهعليهوآله عدّة ختمات ، وكلّ ذلك يدلّ بأدنى تأمّل على أنّه كان مجموعا مرتّبا غير مبتور ولا مبثوث (٢) .
أقول : كلّ ذلك يورث القطع بأنّ ترتيب الآيات والسور لم يكن بأهواء الصّحابة وسلائقهم ، بل كان بوحي الله وأمر رسوله صلىاللهعليهوآله.
الطرفة الثامنة
في أنّ ترتيب القرآن ليس بترتيب
النزول بل لمناسبات لطيفة
لا شبهة في أنّ الترتيب المقرّر عند الله ، المنزل على النبيّ بين الآيات والسور لمناسبات لطيفة ، وروابط منيفة ، ونكت بديعة ، وحكم بليغة لا يعلم جميعها إلّا الله والراسخون في العلم ، ولا يدركها إلّا من نوّر الله قلبه ، وخصّ بالانقياد ربّه ، ووهب له فهم القرآن ، وباشر روحه روح الايمان.
قال بعض العلماء : أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط (٣) .
وقال آخر : من تأمّل في لطائف نظم السور (٤) وفي بدائع ترتيبها علم أنّ القرآن كما أنّه معجز بحسب فصاحة ألفاظه وشرف معانيه ، فهو أيضا معجز بسبب ترتيبه ونظم آياته (٥) .
وقال آخر : ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حتّى تكون كالكلمة الواحدة متّسقة المعاني ، منتظمة المباني ، علم عظيم (٦) .
هذا ، ولعمري أنّ ما ذكرته بالنظر إلى حكمة الله البالغة ، وعدم إمكان وضعه الشيء في غير موضعه ، وترجيحه أمرا بلا مرجّح ، من أوضح الواضحات وأبين البيّنات ، غنيّ عن الاستدلال والتأييد بأقوال
__________________
(١) مسند أحمد ٦ : ٩٢.
(٢) مجمع البيان ١ : ٨٤.
(٣) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٣٦٩.
(٤) في الإتقان : وقال الإمام الرازي في سورة البقرة : ومن تأمل في لطائف نظم هذه السورة.
(٥) الاتقان في علوم القرآن ٣ : ٣٧٠.
(٦) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٣٦٩.