ثمّ عاد سبحانه إلى بيان مقال المؤمنين في مقام الدّعاء والتّضرّع والخوف بقوله : ﴿رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا﴾
وفي رواية المعراج : « فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله لمّا سمع ذلك : أما إذا فعلت [ ذلك ] بي وبامّتي فزدني ، قال : سل ، قال : ﴿رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا ،﴾ قال الله تعالى : لست اؤاخذ امّتك بالنسيان والخطأ لكرامتك عليّ. وكانت الأمم السّالفة ، إذا نسوا ما ذكّروا به ، فتحت عليهم أبواب العذاب ، وقد رفعت [ ذلك ] عن امّتك. وكانت الأمم السّالفة إذا أخطئوا اؤ اخذهم بالخطأ وعوقبوا عليه ، وقد رفعت [ ذلك ] عن امّتك لكرامتك عليّ » الخبر (١) .
توضيح المراد من رفع الخطأ والنسيان
توضيح الآية والرّواية : أنّ المراد من النّسيان والخطأ العمل الذي صدر عن النّسيان والخطأ في الحكم أو الموضوع ، لوضوح أنّ صفة النّسيان والخطأ ليستا من متعلقات التّكليف ، ولا قابلتين للمؤاخذة عليهما حتى يرفع عنهما ، وما ليس قابلا للوضع ليس قابلا للرّفع.
إن قيل : كما لا يمكن جعل المؤاخذة على نفس الصّفتين ، لا يمكن جعلها على العمل الصّادر عنهما ، فكيف يصحّ الامتنان برفعها عنه ؟
قلت : نعم ، ولكن يمكن جعل المؤاخذة على عدم المبالاة وعدم المحافظة المؤدّيين إلى الخطأ والنّسيان ، لكونهما مستندين إلى الاختيار والتّقصير ، ويصحّ جعل العقوبة عليهما بجعل وجوب الاحتياط وإيجاب التّحفّظ. فمعنى رفع المؤاخذة والعقوبة على العمل الصادر عن الخطأ والنّسيان ، رفع إيجاب التّحفّظ.
وقيل : إنّ المراد من النّسيان ترك العمل ، ومن الخطأ الذّنب.
وعن ابن عبّاس رضى الله عنه : أنّ معناه لا تعاقبنا إن عصيناك جاهلين ، أو متعمّدين (٢) .
﴿رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ﴾ ولا تجعل ﴿عَلَيْنا إِصْراً﴾ وتكليفا شاقّا ثقيلا ﴿كَما حَمَلْتَهُ﴾ وجعلته ﴿عَلَى﴾ الامم ﴿الَّذِينَ﴾ كانوا ﴿مِنْ قَبْلِنا﴾
ذكر الآصار التي كانت على الامم
وفي الرّواية المعراجيّة السّابقة : « فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : اللهم : إذا أعطيتني ذلك فزدني ، فقال الله تعالى : سل ، قال : ﴿رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
__________________
(١) الاحتجاج : ٢٢١ ، تفسير الصافي ١ : ٢٨٩.
(٢) جوامع الجامع : ٥٢.