والشّرك ، وإنكار كلّ حقّ بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وألحدوا ﴿بِآياتِ اللهِ﴾ ودلائل توحيده ، ومعجزات نبيّه ، من القرآن وغيره ، قد هيّأ ﴿لَهُمْ﴾ في الآخرة ﴿عَذابٌ شَدِيدٌ﴾ غاية الشّدّة ، خارج عن حدّ البيان ﴿وَاللهُ عَزِيزٌ﴾ غالب على أمره ، قاهر على خلقه ﴿ذُو انْتِقامٍ﴾ عظيم من أعدائه ، ومنكري توحيده ، ورسالة رسوله ، ودينه.
﴿إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ
فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦)﴾
ثمّ عاد سبحانه إلى الاستدلال على توحيد ذاته - الملازم لاستحقاقه العبادة دون غيره ، بسعة علمه ، وكمال إحاطته بجميع ذرّات الكائنات وخفايا أحوالها - بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ﴾ من الأشياء ، وذرّة من الذّرّات ، وحال من أحوالها ، لا ما كان ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ حتّى خطرات القلوب ، ومكنونات الضّمائر ، من التّوحيد والشّرك والإيمان والكفر ، والإرادات الحسنة والسيئة ﴿وَلا﴾ ما كان ﴿فِي السَّماءِ﴾ حتّى ضمائر الملائكة ، ومكتوماتهم.
وفيه مزيد تهديد ، حيث إنّ القدرة الكاملة على العقوبة غير كافية في الرّدع عن المعاصي الخفيّة والعقائد السيّئة ، إلّا إذا علم أنّ المنتقم مطّلع على الخفيّات ، عالم بالسّرائر والمستورات.
والتّعبير عن علمه بعدم خفاء شيء عليه ، للإشعار بأنّ علمه بالأشياء بحضورها عنده ، والإحاطة التّامّة القيموميّة عليها ، لا بالصّور الذّهنيّة ، فلا يشبه علمه علم المخلوقين.
وفي ذكر الأرض والسّماء تأكيد لسعة علمه ، وتصريح بشموله ، ولدفع توهّم اختصاص علمه بخصوص ما في الأرض ، وفي تقديم ذكر الأرض إشعار بكمال الاعتناء بإحاطته بأحوال أهلها.
وفي رواية محاجّة النبيّ صلىاللهعليهوآله مع وفد نجران : قال صلىاللهعليهوآله : « أ لستم تعلمون أنّ الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السّماء ؟ ! » قالوا : بلى ، قال صلىاللهعليهوآله : « فهل يعلم عيسى شيئا إلّا ما علّم ؟ » قالوا : لا (١) .
ثمّ أوضح سبحانه كمال قدرته ، وسعة إحاطته بقوله : ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ﴾ ويخلقكم على هيئة خاصّة ، وشكل مخصوص ، وأنتم ﴿فِي﴾ مضائق ﴿الْأَرْحامِ﴾ وظلماتها الثلاث : ظلمة البطن ، وظلمة المشيمة ، وظلمه الرّحم ﴿كَيْفَ يَشاءُ﴾ لكم من الصّور ، من الذّكورة والانوثة ، والتّمام والنّقص ،
__________________
(١ و٢) . تفسير روح البيان ٢ : ٣.