وتوفيق الرّشد إلى الحقّ - سألوا زيادة الرّحمة والعلم والتّوفيق بقولهم : ﴿وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ﴾ ومن خزائن جودك ﴿رَحْمَةً﴾ نفوز بها إلى أعلى درجات قربك ورضوانك ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ للخيرات ، المعطي المعطي للسّؤلات. والتّذييل به للإشعار بأنّ هذا المسؤول في جنب عطاياه الكثيرة ، في غاية القلّة.
عن الكاظم عليهالسلام ، في حديث : « يا هشام ، إنّ الله تعالى قد حكى عن قوم صالحين أنّهم قالوا : ﴿رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ حين علموا أنّ القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها ، إنّه من لم يخف الله (١) لم يعقل عن الله ، ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه ، ولا يكون أحد كذلك إلّا من كان قوله لفعله مصدّقا ، وسرّه لعلانيته موافقا ؛ لأنّ الله تعالى لم يدلّ على الباطن الخفيّ من العقل إلّا بظاهر منه ، وناطق عنه » (٢) .
عن العيّاشي ، عن الصّادق عليهالسلام : « أكثروا من أن تقولوا : ﴿رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا﴾ ولا تأمنوا الزّيغ » (٣) . وفي الآية دلالة على أنّ الهداية والضّلال بتوفيق الله وخذلانه.
ثمّ لبيان شدّة افتقارهم إلى التّحفّظ عن الزّيغ وشمول الرّحمة ، عرضوا على ربّهم كمال اطمئنانهم وقوّة يقينهم بالمعاد والحشر في القيامة ، للجزاء على العقائد والأعمال ، بقولهم : ﴿رَبَّنا إِنَّكَ﴾ وعدت العباد في كتابك الحقّ ، وبلسان نبيّك الصّادق ، أنّك ﴿جامِعُ النَّاسِ﴾ بعد الموت ، وحاشرهم ﴿لِيَوْمٍ﴾ عظيم ، حتّى تحاسب فيه أعمال العباد ، وتثيب فيه المؤمن المطيع ، وتعاقب فيه الكافر والعاصي ، و﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾ لنا ، ولكلّ عاقل بصير من حيث وقوعه وعظمته وشدّة أهواله ، وإنّ من زاغ قلبه ليبتلى بعذاب أليم دائم ، ومن أعطيته التّوفيق والهداية وشملته الرّحمة ، ينال السّعادة والكرامة والنّعم الباقية كما وعدت ﴿إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ﴾ وذكر اسم الجلالة لبيان مباينة خلف الوعد لالوهيّته المستلزمة للحكمة والغنى والتنزّه عن كلّ نقص.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ
__________________
(١) في الكافي : إنه لم يخف الله من.
(٢) الكافي ١ : ١٤ / ١٢ ، تفسير الصافي ١ : ٢٩٦.
(٣) تفسير العياشي ١ : ٢٩٤ / ٦٤٩ ، تفسير الصافي ١ : ٢٩٧.