السّرّاق والمحاربين ، الذي هو من تمام حفظ الدّماء والأموال ، وإحلال الطيّبات الذي هو من تمام عبادة الله ، ولهذا ذكر فيها ما يختصّ بشريعة محمّد صلىاللهعليهوآله كالوضوء ، والتيمّم ، والحكم بالقرآن على كلّ ذي دين.
ولهذا أكثر فيها من ذكر الإكمال والإتمام ، وذكر فيها أنّ من ارتدّ عوّض الله بخير منه ، ولا يزال هذا الدين كاملا ، ولهذا ورد أنّها آخر سورة نزلت ، وفيها من إشارات الختم والتمام ، وهذا الترتيب بين هذه السور الاربع المدنيّات [ من ] أحسن الترتيب (١) .
وقال بعض آخر : إذا اعتبرت افتتاح كلّ سورة وجدته في غاية المناسبة لما ختم به السورة قبلها ، ثمّ هو يخفى تارة ويظهر أخرى ، كافتتاح سورة الأنعام بالحمد ، فإنّه مناسب لختام المائدة من فصل القضاء ، كما قال تعالى : ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾(٢) .
وكافتتاح سورة فاطر بالحمد ، فإنّه مناسب لختام ما قبلها من قوله : ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ﴾(٣) كما قال تعالى : ﴿فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾(٤) .
أقول : الغرض من نقل هذه العبائر والوجوه هو التأييد ، وإن قلنا إنّ المدّعى لوضوحه غنيّ عنه.
الطّرفة التّاسعة
في أسامي الكتاب العزيز
ووحيه ومناسبة تسميته بالقرآن
قال بعض (٥) : إنّ الله تعالى سمّى كتابه العزيز بخمسة وخمسين اسما (٦) . كالفرقان ، والذكر ، وأحسن الحديث ، وغيرها. والظاهر أنّ جميعها ألقاب وأوصاف له ، إلّا القرآن فإنّ الأقوى والأظهر أن يكون علما له بوضع الله تعالى.
__________________
(١) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٣٨١.
(٢) الزمر : ٣٩ / ٧٥.
(٣) سبأ : ٣٤ / ٥٤.
(٤) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٣٨٠ ، والآية من سورة الأنعام : ٦ / ٤٥.
(٥) القائل : هو القاضي أبو المعالي عزيزى بن عبد الملك المعروف بشيذلة ، صاحب كتاب ( البرهان في مشكلات القرآن ) والمتوفّى سنة ٤٩٤. راجع : شذرات الذهب ٣ : ٤٠١ ، كشف الظنون ١ : ٢٤١.
(٦) البرهان في علوم القرآن ١ : ٣٤٣ ، الإتقان في علوم القرآن ١ : ١٧٨.