النّفس فيها مصفّاة والعبادة أشقّ.
وعن مجاهد : في قول يعقوب عليهالسلام : ﴿سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي﴾(١) أخّره إلى وقت السّحر ، فإنّ الدّعاء فيه مستجاب. وقال : إنّ الله لا يشغله صوت عن صوت ، لكنّ الدّعاء في السّحر دعوة في الخلوة ، وهي أبعد من الرّياء والسّمعة فكانت أقرب إلى الإجابة (٢) .
﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨)﴾
ثمّ اعلم أنّه تعالى بعد جعل ذاته المقدّسة أوّلا في المحاجّة مع النّصارى ، مدّعيا لتوحيده الذّاتي والصّفاتي - وإقامة البراهين العقليّة القطعيّة عليه ، والحكم بكفر جاحديه ، وتهديدهم بالعقوبة الدّنيويّة والأخرويّة ، وتنبيه النّاس بعلّة اختيار الكفر ، من تزيين مشتهيات الدّنيا في نظرهم ، وأمر نبيّه ببشارة الموحّدين بالثّواب العظيم ، ومدحهم بالصّفات الحميدة الفائقة جعل ثانيا نبيّه مدّعيا.
ثمّ أقام الشّهود الذين (٣) لا يمكن ردّهم ، على صدق دعواه ، تاييدا للبرهان بها بقوله : ﴿شَهِدَ اللهُ﴾ عن علمه الحضوري ، وأخبر في كتابه التّكويني بدلالة كلماته التّامة - التي هي صنائعه البديعة ، واتّساق نظامها الأتمّ - على ﴿أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ﴾ ولا خالق ولا معبود سواه ، ﴿وَ﴾ شهدت ﴿الْمَلائِكَةُ﴾ بلسان الحال والمقال ، وبدلالة الأفعال ، لمعاينتهم عظمته وقدرته ، ﴿وَ﴾ شهد ﴿أُولُوا الْعِلْمِ﴾ من عباده ، عن العلم البرهاني والعياني ، بما شهد به سبحانه.
روي عن الباقر عليهالسلام : « أنّ أولي العلم هم الأنبياء والأوصياء » (٤) .
ثمّ لمّا كان المعتبر عدالة الشّاهد ، وعدم جوره في الشّهادة ، أثنى سبحانه على نفسه في المقام بكونه ﴿قائِماً بِالْقِسْطِ﴾ وعاملا بالعدل في جميع الامور ، من قسمة الأرزاق ، والإثابة ، والتّعذيب. ومن عدله أمر عباده بالعدل والتّسوية ، وعدم رضاه بالظّلم والجور. وفيه بيان كماله تعالى في أفعاله ، إثر بيان كماله في ذاته.
وفي الرّواية السّابقة ، عن الباقر عليهالسلام بعد تفسير ﴿أُولُوا الْعِلْمِ﴾ بالأنبياء والأوصياء ، قال : « وهم قيام
__________________
(١) يوسف : ١٢ / ٩٨.
(٢) تفسير روح البيان ٢ : ١١.
(٣) في النسخة : التي.
(٤) تفسير العياشي ١ : ٢٩٦ / ٦٥٨ ، تفسير الصافي ١ : ٢٩٩.