بالقسط » (١) .
والظّاهر أنّ المراد أنّ الأنبياء والأوصياء ، لمّا كانوا مظاهر صفاته تعالى ، كان ظهور صفة قيامه تعالى بالقسط في قيامهم به ، فكان قيامه تعالى بالقسط عين قيامهم به ، ويمكن كون ( قائما ) حالا لاولي العلم وأفراده بلحاظ كلّ واحد منهم.
ثمّ كرّر سبحانه ذكر التّوحيد المشهود به بقوله : ﴿لا إِلهَ إِلَّا هُوَ﴾ تأكيدا له ، واهتماما به ، وتقريرا لقيامه بالقسط ، حيث إنّ الالوهيّة لا تجامع الظّلم والجور ، وتوطئة للشّهادة على كمال قدرته وعلمه بقوله : ﴿الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ حتّى يعلم أنّه المنعوت بهما دون غيره.
وتقدّم صفة العزيز لتقدّم العلم بقدرته على العلم بحكمته. وفيه تهديد بالانتقام ممّن لا يوحّده بما لا يقدر عليه غيره ، وبالحكم بما يريد في خلقه.
قيل : نزلت الآية حين جاء رجلان من أحبار الشّام ، فقالا للنبي صلىاللهعليهوآله : أنت محمّد ؟ قال : « نعم » فقالا : أنت أحمد ؟ قال : « أنا محمّد وأحمد » قالا : أخبرنا عن أعظم الشّهادة في كتاب الله ، فأخبرهما (٢) .
عن ابن عبّاس : خلق الله تعالى الأرواح قبل الأجساد بأربعة آلاف سنة ، وخلق الأرزاق قبل الأرواح بأربعة آلاف سنة ، فشهد لنفسه قبل خلق الخلق ، حين كان ولم تكن سماء ولا أرض ، ولا برّ ولا بحر ، فقال : ﴿شَهِدَ اللهُ ...﴾ الآية (٣) .
روي عن سعيد بن جبير أنّه كان حول البيت ثلاثمائة وستّون صنما ، فلمّا نزلت هذه الآية الكريمة خرّوا سجّدا (٤) .
روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : « يجاء بصاحبها (٥) يوم القيامة ، فيقول الله عزوجل : إنّ لعبدي هذا عندي عهدا ، وأنا أحقّ من وفى بالعهد ، ادخلوا عبدي الجنّة » (٦) .
﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما
جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد إثبات توحيد ذاته بالبراهين العقليّة وشهادة الشّهود العدول ، أشار إلى النّتيجة
__________________
(١) وايضا.
(٢ و٣) . تفسير روح البيان ٢ : ١٢.
(٤) تفسير أبي السعود ٢ : ١٧.
(٥) أي صاحب الشهادة.
(٦) تفسير أبي السعود ٢ : ١٧.