بقوله : ﴿إِنَّ الدِّينَ﴾ الحقّ المرضيّ ﴿عِنْدَ اللهِ﴾ من لدن آدم إلى قيام السّاعة هو ﴿الْإِسْلامُ﴾ والانقياد له ، والالتزام بالتّوحيد الخالص عن شوب الشّرك ، المستلزم للاعتقاد بالمعاد والإيمان بالرّسل والشّرائع ، بالضّرورة من العقل ودلالة الأدلّة القاطعة ، بحيث لا مجال للشّكّ فيه.
ففيه دلالة على أنّ أصل الدّين في جميع الأزمنة واحد ، وإنّما الفرق في بعض الفروع والأحكام. ومع ذلك اختلف النّاس فيه ، وأنكروا التّوحيد وتديّنوا بالشّرك ﴿وَمَا اخْتَلَفَ﴾ فيه اليهود والنّصارى ﴿الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ﴾ من التّوراة والإنجيل ، وما اختاروا الشّرك بقولهم : عزير ابن الله ، أو المسيح ابن الله ، أو ثالث ثلاثة ، في حال من الأحوال ، أو وقت من الأوقات ﴿إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ بالتّوحيد ، وصحّة دين الإسلام ، ونبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله.
ولم يكن اختلافهم لخفاء الحقّ والشّبهة فيه ، بل كان ﴿بَغْياً﴾ وحسدا كائنا فيما ﴿بَيْنَهُمْ﴾ حيث إنّ الاختلاف بعد وضوح الحقّ غايته ، لا يمكن تحقّقه الّا لأجل الأخلاق الذّميمة ، وحبّ الدّنيا والرّئاسة. وفيه غاية التّشنيع ، ودلالة على ترامي حالهم في الكفر والضّلالة.
ثمّ هدّد الجاحدين بقوله : ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ﴾ الدّالّات على الحقّ ، ويعرض عن الحجج السّاطعة على الصّواب ﴿فَإِنَّ اللهَ﴾ يحاسبه ويجازيه بأشدّ العقاب من غير بطء ومهلة ، حيث إنّه ﴿سَرِيعُ الْحِسابِ﴾ يحاسب جميع الخلائق في أقلّ من لمحة.
﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ
وَالْأُمِّيِّينَ أَ أَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ
بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٢٠)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ظهور لجاج الكفّار وعنادهم ، بحيث لا تنفعهم الحجج ، قال لنبيّه صلىاللهعليهوآله : ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ﴾ في التّوحيد ، وجادلوك في الحقّ ، وعارضوك في النّبوّة ﴿فَقُلْ﴾ في جوابهم ، معرضا عنهم : إنّي ﴿أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ﴾ وأخلصت قلبي ونفسي وشراشر (١) وجودي ﴿لِلَّهِ﴾ وحده لا اشرك في انقيادي [ إليه ] غيره. ﴿وَ﴾ أسلم له أيضا ﴿مَنِ اتَّبَعَنِ﴾ وآمن بي واهتدى بهداي ﴿وَقُلْ﴾ بعد ذلك ﴿لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ﴾ من اليهود والنّصارى ﴿وَالْأُمِّيِّينَ﴾ الّذين لا علم لهم ولا كتاب ، من مشركي
__________________
(١) الشّراشر : معظم الشيء وجملته.