العرب ، تقريرا : ﴿أَ أَسْلَمْتُمْ﴾ بعد وضوح الحقّ ، وتمام الحجّة ، وظهور المعجزات الباهرة ، كما أسلم أتباعي ، أم أقمتم بعد لجاجا وعنادا على كفركم ؟ وفيه تعييرهم على اللّجاج بقلّة الإنصاف ، وتوبيخهم بالبلادة والجهل ، وتهييجهم على الانقياد والتبعية.
﴿فَإِنْ أَسْلَمُوا﴾ لله ، والتزموا بالتّوحيد ، واعترفوا بنبوّتك وصحّة دينك ﴿فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾ إلى الحقّ ، وسلكوا الصّراط المستقيم ، وفازوا بالنّجاة من العذاب ، وأصابوا جميع الخيرات ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ عن قبول قولك ، وأعرضوا عن الإسلام والإيمان بك ، فليس لك مسؤولية ، وما عليك من تبعة ﴿فَإِنَّما﴾ الواجب ﴿عَلَيْكَ الْبَلاغُ﴾ والدّعوة ، وإقامة الحجّة ، وإيضاح الحقّ ، وقد أدّيت ما عليك بما لا مزيد عليه ، وبالغت في تبليغك بلا توان ولا فتور ﴿وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ﴾ ومطّلع على فطرتهم ، وسجيّتهم ، وسوء أخلاقهم ، وقبائح أعمالهم. وفيه غاية التّهديد.
روي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله لمّا قرأ هذه الآية على أهل الكتاب ، قالوا : أسلمنا ، فقال صلىاللهعليهوآله لليهود : « أتشهدون أنّ عيسى كلمة الله وعبده ورسوله ؟ » فقالوا : معاذ الله.
وقال صلىاللهعليهوآله للنّصارى : « أتشهدون أنّ عيسى عبد الله ورسوله ؟ » فقالوا : معاذ الله أن يكون عيسى عبدا ، وذلك قوله : ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾(١) .
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ
يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ
أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٢)﴾
ثمّ اعلم أنّه تعالى بعد تهديد المصرّين على الكفر ، المعرضين عن الإسلام - بنحو الإجمال - هدّدهم بعد بيان خبث ذاتهم ، وشناعة أعمالهم تفصيلا بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ﴾ توحيد ﴿اللهِ﴾ ويجحدون الحقّ ودلائله ، وينكرون نبوّة نبيّه ومعجزاته ﴿وَيَقْتُلُونَ﴾ لعنادهم الحقّ ﴿النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍ﴾ يتصوّر ، ومن غير استحقاق في نظرهم ، كما قتلهم أسلافهم.
وروي أنّ نسبة القتل إلى الّذين في عصر النبيّ صلىاللهعليهوآله باعتبار رضاهم بفعل أوائلهم.
﴿وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ﴾ ويدعون إلى الحقّ والعدل ﴿مِنَ النَّاسِ﴾
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٢ : ١٩ ، تفسير روح البيان ٢ : ١٤.