عن أبي عبيدة [ بن ] الجرّاح : قال : قلت يا رسول الله ، أيّ النّاس أشدّ عذابا يوم القيامة ؟ قال : « رجل قتل نبيّا أو رجلا أمر بالمعروف أو نهى عن المنكر » ثمّ قرأها ، ثمّ قال : « يا أبا عبيدة ، قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيّا من أوّل النّهار ، في ساعة واحدة ، فقام مائة رجل واثني عشر رجلا من عبّاد بني إسرائيل ، فأمروا من قتلهم بالمعروف ، ونهوهم عن المنكر ، فقتلوهم جميعا من آخر النّهار في ذلك اليوم ، وهو الذي ذكره الله » (١) .
قيل : إنّ تكرير الفعل للإشعار بالتّفاوت بين القتلين من الفظاعة ، أو باختلافهما في الوقت.
ثمّ لمّا كان اشتياق هؤلاء إلى الفحشاء والمنكر بمنزلة اشتياقهم إلى العذاب ، عبّر عن إنذارهم بالعذاب بالتّبشير بقوله : ﴿فَبَشِّرْهُمْ﴾ يا نبيّ الرّحمة ﴿بِعَذابٍ أَلِيمٍ﴾ في الآخرة.
﴿أُولئِكَ﴾ البعيدون عن رحمة الله ، المبتلون بأسوأ الأحوال ، هم ﴿الَّذِينَ حَبِطَتْ﴾ وبطلت ﴿أَعْمالُهُمْ﴾ الخيريّة وأفعالهم الحسنة في الدّارين ، فلا يترتّب عليها الأثر المرغوب منها ، من المدح والثّناء والعزّ والرّفاه والبركة والسّلامة ﴿فِي الدُّنْيا﴾ - بل يذمّون عليها ويلعنون بها ويقتلون ويغار عليهم (٢) ويسبون ويسترقّون - ﴿وَ﴾ لا في ﴿الْآخِرَةِ﴾ من الخلاص من النّار ، والفوز بالجنّة ، بل يحرمون منها ، ويساقون إلى جهنّم وأشدّ العذاب ﴿وَما لَهُمْ﴾ حينئذ ﴿مِنْ ناصِرِينَ﴾ ينصرونهم على الله ، أو يشفعون لهم عنده ، أو يدفعون عنهم عذابه.
﴿أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ
ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)﴾
ثمّ أنّه تعالى - لتوضيح غاية خبث ذاتهم ، وشدّة لجاجهم ، ودفع العجب من نهاية تمرّدهم عن الإيمان بخاتم النّبيّين صلىاللهعليهوآله وبكتابه المشتمل على الإعجاز - ذكر تمرّد علمائهم عن أحكام التّوراة التي كانوا معترفين بكونها الحقّ المنزل من الله ؛ بقوله : ﴿أَ لَمْ تَرَ﴾ يا محمّد ﴿إِلَى﴾ ما يعجبك من صنيع أحبار اليهود ﴿الَّذِينَ أُوتُوا﴾ من جانب الله ﴿نَصِيباً﴾ وافرا ، وحظّا متكاثرا ﴿مِنَ﴾ العلوم التي في ﴿الْكِتابِ﴾ الذي علموا أنّه حقّ منزل من الله تعالى ، وهو التّوراة ، وأعترفوا بصحّة جميع ما فيه. وقد أخبر الله فيه ببعثة محمّد صلىاللهعليهوآله وصفاته ونعوته وحقّانيّة دينه.
__________________
(١) تفسير الرازي ٧ : ٢١٤ ، وفيه : اليوم فهم الّذين ذكرهم الله تعالى.
(٢) في النسخة : ويغارون.