﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ﴾ في الآخرة بسبب الكفر والمعصية أبدا ﴿إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ﴾ قلائل. روي أنّهم كانوا يقولون : مدّة عذابنا سبعة أيّام ، وقيل : هي أربعون يوما ، مقدار عبادة بني إسرائيل العجل (١) .
فهوّن عليهم الذّنوب والخطوب رسوخ اعتقادهم على ذلك ﴿وَغَرَّهُمْ﴾ وخدعهم ﴿فِي﴾ مخالفة ﴿دِينِهِمْ﴾ وأحكامهم ﴿ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ على الله من قولهم : أنّه تعالى وعد يعقوب أن لا يعذّب أولاده إلّا تحلّة قسم (٢) .
عن ابن عبّاس رضى الله عنه : زعمت اليهود أنّهم وجدوا في التّوراة : أنّ ما بين طرفي جهنّم أربعون سنة إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزّقّوم ، وإنّما نعذّب حتّى نأتي إلى شجرة الزّقّوم ، فتذهب جهنّم وتهلك ، وأصل الجحيم سقر ، وفيها شجرة الزّقّوم ، فإذا اقتحموا من باب جهنّم وتبادروا في العذاب حتّى انتهوا إلى شجرة الزّقّوم وملأوا البطون قال لهم خازن سقر : زعمتم أنّ النّار لن تمسّكم إلّا أيّاما معدودات ، قد خلت أربعون سنة وأنتم في الأبد (٣) .
أقول : فيه دلالة على أن المراد من الأيّام المعدودات أربعون سنة وعبّر عنها بها تقليلا لها.
﴿فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا
يُظْلَمُونَ (٢٥)﴾
ثمّ أبطل الله سبحانه ما غرّهم باستعظام عذابهم ، وتهويل ما يحيق بهم بقوله : ﴿فَكَيْفَ﴾ يكون حالهم ﴿إِذا﴾ أخرجناهم من قبورهم و﴿جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ﴾ عظيم شديد الأهوال يكون وقوعه ممّا ﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾ لعاقل.
روي أنّ أوّل راية ترفع يوم القيامة من رايات الكفر راية اليهود ، فيفضحهم الله عزوجل على رؤوس الأشهاد ، ثمّ يأمر بهم إلى النّار (٤) .
﴿وَ﴾ في ذلك اليوم ﴿وُفِّيَتْ﴾ واعطيت من غير نقص ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ من النّفوس جزاء ﴿ما كَسَبَتْ﴾ وحصّلت من عمل خير أو شرّ ﴿وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ بتنقيص الثواب ، أو زيادة العقاب. وفيه دلالة على أنّ الثّواب والعقاب يكونان بالاستحقاق.
__________________
(١) تفسير الرازي ٧ : ٢١٨.
(٢) تفسير روح البيان ٢ : ١٦.
(٣) نفس المصدر.
(٤) تفسير روح البيان ٢ : ١٦.