وأستدلّ بعض العامّة به على أنّ العبادة لا تحبط (١) . وفيه : أنّ إيفاء جزاء المعصية يكون بحبط ثواب العبادة ، كما أنّ إيفاء ثواب العبادة يكون بالعفو عن عقوبة المعصية.
﴿قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ
مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦) تُولِجُ اللَّيْلَ
فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ
الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢٧)﴾
ثمّ - لمّا كان من أباطيل اليهود قولهم : بأنّه لا بدّ أن تكون النّبوّة والملك فيهم ، وأنّهم أحقّ بهما لكونهم من بيوت الأنبياء ، ومن أهل العلم والكتاب ، ولا يجوز أن يكونا في العرب لكونهم أمّيّين - أمر الله نبيّه صلىاللهعليهوآله بأن يثنيه بالقدرة الكاملة والفضل الشّامل الدّالّين على بطلان قولهم ، بقوله : ﴿قُلِ﴾ يا محمّد ﴿اللهُمَ﴾ يا ﴿مالِكَ الْمُلْكِ﴾ ملكا حقيقيا إشراقيّا ويا سلطان عالم الوجود ، لا شريك لك فيه ولا معادل ، تتصرّف فيه كيف تشاء ، إيجادا وإعداما وإحياء وإماتة وفضلا ومنعا وتعذيبا وإثابة ، وتدبّره كيف تريد ؛ ومن تدبيرك وسلطانك أنّك ﴿تُؤْتِي﴾ وتهب ﴿الْمُلْكِ﴾ والسّلطنة أو النّبوّة ﴿مَنْ تَشاءُ﴾ أن تملّكه وتشرّفه بفضلك ﴿وَتَنْزِعُ﴾ وتسلب ﴿الْمُلْكِ﴾ والسّلطنة الدّنيويّة والدّينيّة ، وهي النبوة ﴿مِمَّنْ تَشاءُ﴾ أن تنزعها عنه ، وتنقلها إلى قوم آخرين. وفيه إشعار بأنّ السّلطنة الحقيقيّة مختصّة به تعالى ، وسلطنة غيره بطريق المجاز.
﴿وَتُعِزُّ﴾ في الدّنيا ، أو في الآخرة ، أو فيهما ﴿مَنْ تَشاءُ﴾ أن تعزّه في الدّنيا بمنصب النّبوّة ، والمطاعية المطلقة ، والفضائل الكريمة ، والهداية والتّوفيق ، والنصر والغلبة ، وفي الآخرة بالجنّة العاليه ، والمقامات الرّفيعة ، والنّعم الدّائمة ﴿وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ﴾ ذلّة في الدّنيا ، أو في الآخرة ، أو فيهما ، بالخذلان والبعد عن الرّحمة ، والكفر والضّلال والأخلاق الرّذيلة ، والفقر والمسكنة واللّعنة الدّائمة ﴿بِيَدِكَ﴾ وقدرتك خاصّة دون غيرك ﴿الْخَيْرُ﴾ كلّه ، قبضا وبسطا ، على حسب مشيّئتك وحكمتك ، وعلى ما تقتضيه قابليّة القوابل ، واستعداد الممكنات.
وإنّما خصّ الخير بالذّكر - مع أنّ جميع الامور بيده حتّى الشّرّ - لكون الكلام في ما يسوقه سبحانه
__________________
(١) تفسير الرازي ٧ : ٢١٩ - ٢٢٠.