المتعاديين.
فلا يجوز أن تتولّوا الكفّار ظاهرا وباطنا في حال من الأحوال ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا﴾ وتخافوا ﴿مِنْهُمْ﴾ وتتحذّروا من شرّهم وضرّهم ﴿تُقاةً﴾ باطنيّة وحذرا واقعيّا ، فلا بأس بإظهار موالاتهم مع اطمئنان النّفس بعدواتهم وبغضهم ، حتّى يزول مقتضى التّقيّة ، فيجب عند ذلك معاداتهم ظاهرا وباطنا.
في وجوب التقية
عن ( الاحتجاج ) : عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، في حديث : « وآمرك أن تستعمل التّقيّة في دينك ، فإنّ الله يقول : ﴿لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ الآية - إلى أن قال - : وإيّاك ثمّ إيّاك أن تتعرّض للهلاك ، وأن تترك التّقيّة التي أمرتك بها ، فإنّك شائط بدمك (١) ودماء إخوانك ، معرّض لنعمك ونعمهم للزّوال ، تذلّهم في أيدي أعداء دين الله ، وقد أمرك الله بإعزازهم » (٢) .
وعن العيّاشي : عن الصادق عليهالسلام قال : « كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : لا إيمان لمن لا تقيّة له » (٣) .
وعنه عليهالسلام : « التّقيّة ترس الله بينه وبين خلقه » (٤) .
وفي رواية : « التّقيّة ديني ودين آبائي » (٥) .
ثمّ أردف الله سبحانه النّهي بالتّهديد بقوله : ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ﴾ ويخوّفكم من سطوته ، كي لا تعصوه فتستحقّوا عقابه.
ثمّ أكّد التّهديد والتّحذير بقوله : ﴿وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ﴾ والمنقلب لعامّة الخلق ، فلا يخرج أحد عن سلطانه و[ من ] تحت قدرته. وفي تكرير اسم الجلالة إدخال الرّوعة وتربية المهابة.
﴿قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما
فِي الْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩)﴾
ثمّ لمّا أذن سبحانه وتعالى في التّقيّة ، وإظهار الموالاة لهم ، وكان مدارها الخوف القلبي - وهو أمر باطنيّ لا يطّلع عليه أحد ، وقد يجعل مندوحة للمعاشرة والمودّة في الظّاهر ، مع عدم تحقّق خوف منهم في الباطن ، بل الموالاة الباطنيّة صارت منشأ للموالاة الظّاهريّة ، ولكن عند اعتراض المؤمنين
__________________
(١) شاط دمه : أي ذهب هدرا.
(٢) الاحتجاج : ٢٣٩ ، تفسير الصافي ١ : ٣٠٢.
(٣) تفسير العياشي ١ : ٢٩٧ / ٦٦٤ ، تفسير الصافي ١ : ٣٠٢.
(٤) الكافي ٢ : ١٧٥ / ١٩ ، تفسير الصافي ١ : ٣٠٢.
(٥) جامع الأخبار : ٢٥٣ / ٦٥٧.