الصّادقين عليهم ، يعتذرون لهم بالخوف - أمر الله سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآله بإعلام المنافقين المحتالين في موالاتهم بسعة علمه تعالى بالسّرائر كالظّواهر ، بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد : ﴿إِنْ تُخْفُوا﴾ أيّها المنافقون ﴿ما فِي صُدُورِكُمْ﴾ وضمائركم من نيّات السّوء وموالاة الكفّار ﴿أَوْ تُبْدُوهُ﴾ وتظهروه للنّاس ﴿يَعْلَمْهُ اللهُ﴾ ويطّلع عليه.
فإنّه لا سرّ إلّا وهو عنده تعالى علانيّة ، ولا باطن إلّا وهو عنده ظاهر ، وكيف يخفى عليه سرائركم ﴿وَ﴾ هو ﴿يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ﴾ من الخفايا والدّقائق ، فإنّ وجود جميع ما فيها بإفاضته وتدبيره ، فإذا كانت إحاطته بهذه المرتبة من الكمال ، يجب على العباد أن يحذروا من مخالفته في الباطن والسّرّ أيضا ؛ لأنّه يعلمها ويعاقب عليها ﴿وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾ من العقوبة وغيرها ﴿قَدِيرٌ﴾ وفيه غاية التّهديد والوعيد.
﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ
بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٣٠) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ
تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (٣١)﴾
ثمّ بيّن الله تعالى صفة اليوم الذي يكون مصير الخلق فيه إليه ، ويجب على النّاس الحذر منه تعالى فيه ، بقوله : ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ﴾ من النّفوس المكلّفة ﴿ما عَمِلَتْ﴾ في الدّنيا ﴿مِنْ خَيْرٍ﴾ وصالح ﴿مُحْضَراً﴾ عندها ، أحضره الله بصورته المثاليّة التي تكون لذلك العمل في عالم المثل والصّور ، لما حقّق في محلّه من أنّ لكلّ شيء في هذا العالم - ولو كان من الأعراض - صورة جوهريّة في عالم الصّور والمثل المعلّقة ، كما هو مستفاد من كثير من الأخبار. أو المراد إحضاره بوجوده الكتبي في صحيفة الأعمال ، أو بجزائه وآثاره.
﴿وَ﴾ كذا تجد ﴿ما عَمِلَتْ﴾ النّفس ﴿مِنْ﴾ عمل ﴿سُوءٍ﴾ وقبيح محضرا عندها بصورته الجوهريّة أو بجزائه ، فتضجر وتستوحش منه ، بحيث ﴿تَوَدُّ﴾ قيل : كأنّه يقال : حال النّفس التي عملت الخير معلوم أنها في سرور وأمن ، فما حال النّفس الشّرّيرة التي عملت السّوء ؟ فقال تعالى : تودّ وتتمنّى تلك النّفس ، حين ترى السّوء ﴿لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً﴾ وبونا ﴿بَعِيداً﴾ من سوء المنظر ووخامة