قيل : إنّ توصيفه بكونه من الصّالحين ، مع أنّ جميع الأنبياء صلحاء ، مشعر بأنّ صلاحه كان أتمّ من صلاح سائر الأنبياء ، فيكون المعنى : أنّه من الصّالحين من بين سائر الأنبياء. وفي الصّلاح ينتظم الخير كلّه.
وعن تفسير الإمام عليهالسلام : « ما ألحق الله صبيانا برجال كاملي العقول إلّا هؤلاء الأربعة : عيسى بن مريم ، ويحيى بن زكريّا ، والحسن ، والحسين عليهمالسلام » (١) .
﴿قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللهُ
يَفْعَلُ ما يَشاءُ (٤٠) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ
رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٤١)﴾
ثمّ لمّا كان قول جبرئيل عن الله ، وحكاية لقوله ، خاطب زكريّا ربّه و﴿قالَ﴾ استبعادا عاديّا ، أو تعجّبا ، أو استفهاما وسرورا بالولد : ﴿رَبِّ أَنَّى يَكُونُ﴾ وكيف يحصل ﴿لِي﴾ بحسب العادة ﴿غُلامٌ﴾ وولد ذكر ﴿وَ﴾ الحال أنّه ﴿قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ﴾ في السّنّ ، وأدركني الهرم ؟
قيل : كان له ستّون سنة. وقيل : خمس وستّون. وقيل : سبعون. وقيل : خمس وسبعون. وقيل : خمس وثمانون. وقيل : اثنتان وتسعون. وقيل : تسع وتسعون. وقيل : مائة وعشرون.
وفيه إشعار بأنّ كبر السّنّ ، من حيث إنّه طلائع الموت ، طالب للإنسان.
ثمّ بعد ذكر قصور نفسه ، ذكر قصور زوجته بقوله : ﴿وَامْرَأَتِي عاقِرٌ﴾ لم تلد أبدا ، والكبر والعقم منافيان للولادة غاية المنافاة.
قيل : كان لزوجته مع عقمها ، ثمان وتسعون سنة (٢) .
﴿قالَ﴾ الله تعالى ، أو الملك : ﴿كَذلِكَ﴾ الفعل العجيب من خلق الولد من شيخ فان وعجوز عاقر ﴿اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ﴾ أن يفعله من تعاجيب الأفاعيل الخارقة للعادة.
ثمّ نقل أنّه جاء الشّيطان زكريّا عند سماعة البشارة ، فقال : إنّ هذا الصّوت من الشّيطان ، وقد سخر منك ، فلذا اشتبه الأمر على زكريا (٣) و﴿قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً﴾ علامة دالّة على أنّ تلك البشارة من
__________________
(١) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٦٥٩ / ٣٧٤ ، تفسير الصافي ١ : ٣١٠.
(٢) تفسير الرازي ٨ : ٣٩.
(٣) تفسير الرازي ٨ : ٣٩.