﴿وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ
الْعالَمِينَ (٤٢)﴾
ثمّ عاد سبحانه إلى قصّة اصطفاء مريم ، عطفا على قوله : ﴿إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ﴾(١) بقوله : ﴿وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ﴾ وفي العدول عن ( نادت ) إلى ( قالت ) إشعار بأنّ مريم رأت جبرئيل ، فخاطبها وشافهها بقوله : ﴿يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ﴾ أوّلا بأن تقبّلك من امّك لخدمة المسجد بقبول حسن ، وأنبتك نباتا حسنا ، وربّاك في حجر زكريّا ، ورزقك من فواكه الجنّة ، وأكرمك بكرامات سنيّة.
عن الباقر عليهالسلام : « معنى الآية : اصطفاك من ذرّيّة الأنبياء » (٢) .
﴿وَطَهَّرَكِ﴾ من رجس الكفر ، ودنس المعاصي ، ورذائل الأخلاق الرّوحانيّة ، وذمائم الصّفات النّفسانيّة ، والشّهوات الحيوانيّة ، ومسيس الرّجال ، والأنجاس الجسمانيّة من الحيض والنّفاس وغيرهما من الأذى.
وعن الباقر عليهالسلام : « طهّرك من السّفاح » (٣) .
﴿وَاصْطَفاكِ﴾ آخرا وفضّلك ﴿عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ﴾ بأن وهب لك عيسى من غير أب - كما عن الباقر عليهالسلام ما يقرب منه (٤) - وشرّفك بصحبته وخدمته إيّاك ، وجعلك وابنك آية للعالمين.
في نقل كلام الفخر الرازي وردّه
قال الفخر الرّازي : روي أنّه صلىاللهعليهوآله قال : « حسبك من نساء العالمين أربع : مريم ، وآسية امرأة فرعون ، وخديجة ، وفاطمة عليهنّ السّلام » .
ثمّ قال : فقيل : هذا الحديث دلّ على أنّ هؤلاء الأربع أفضل من سائر النساء ، وهذه الآية دلّت على أنّ مريم عليهاالسلام أفضل من الكلّ ، وقول من قال : المراد أنّها مصطفاة على عالمي زمانها ، فهذا ترك للظّاهر (٥) .
أقول : بل هو عمل بنصّ النبيّ صلىاللهعليهوآله ، في الرّواية التي تكون من المسلّمات بين الفريقين ، من قوله : « الحمد لله الذي جعلك شبيهة بسيّدة [ نساء ] بني إسرائيل » (٦) فإنّه صريح في أنّ سيادتها مختصّة بنساء بني إسرائيل. وقد دلّت الرّوايات الكثيرة من طرق أصحابنا على أنّ فاطمة عليهاالسلام أفضل من الكلّ.
__________________
(١) آل عمران : ٣ / ٣٥.
(٢) مجمع البيان ٢ : ٧٤٦ ، تفسير الصافي ١ : ٣١١.
(٣) مجمع البيان ٢ : ٧٤٦ ، تفسير الصافي ١ : ٣١١.
(٤) نفس المصدر.
(٥) تفسير الرازي ٨ : ٤٣.
(٦) البداية والنهاية ٦ : ١١٥ ، الدر المنثور ٢ : ١٨٦.