إشعار بكمالها ، حيث عدّها في عداد الرّجال ، حيث قال : ﴿مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ ولم يقل : ( مع الرّاكعات ) .
وقيل : إنّ المراد بالقنوت : إدامة العبادة ، وبالسّجود : خصوص الصّلاة ، والتّكنّي عنها به ، لكونه أفضل أركانها ، وبالرّكوع : الخشوع والإخبات (١) .
روي أنّها لمّا امرت بذلك قامت في الصّلاة حتّى تورّمت قدماها (١) ، وكذلك روي في حقّ فاطمة عليهاالسلام (٢) كما روي في حقّها كلّ فضيلة كانت لمريم من نزول مائدة الجنّة لها (٣) ، ومحادثة الملائكة (٤) ، والاجتهاد في العبادة ، والزّهد في الدّنيا ، وغير ذلك.
﴿ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ
يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤)﴾
﴿ذلِكَ﴾ المذكور من قصّة حنّة وزكريّا ، ومريم وعيسى ، يكون ﴿مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ﴾ لا طريق لأحد إلى العلم به إلّا الوحي ، ونحن ﴿نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾ وننزله بوساطة جبرئيل ببيان فيه الإعجاز.
ثمّ أنّه تعالى - بعد وضوح انحصار طريق العلم بالقضايا الماضية في قراءة الكتب والسّماع من العالم ، أو المشاهدة ، أو الوحي ، وبداهة كونه صلىاللهعليهوآله امّيّا لم يقرأ كتابا ، ولم يصحب عالما - قرّر كون علمه صلىاللهعليهوآله بهذه القضايا بالوحي بنفي مشاهدته بقوله : ﴿وَما كُنْتَ﴾ حاضرا ﴿لَدَيْهِمْ﴾ حتّى تطّلع على قضاياهم بالمشاهدة ، وما كنت شاهدا ﴿إِذْ يُلْقُونَ﴾ وحين ينبذون في الماء ﴿أَقْلامَهُمْ﴾ التي كانوا يكتبون بها التّوراة ، ليقرعوا بها ، وليعلموا ﴿أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ﴾ ويتشرّف بحضانتها وخدمتها ، قيل : اختاروا تلك الأقلام للقرعة تبرّكا بها ﴿وَما كُنْتَ﴾ حاضرا ﴿لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ وحين يتنازعون في شأنها تنافسا في كفالتها ، والتّعهّد للقيام بتدبير امورها ، وحفظ مصالحها.
ويحتمل أن يكون هذا الكلام مسوقا لبيان إظهار نهاية غرابته ، ونهاية اعجوبته.
﴿إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٢ : ٣٥ ، تفسير روح البيان ٢ : ٣٣.
(٢) المناقب / لابن شهر آشوب ٣ : ٣٤١ ، مقتل الحسين / للخوارزمي ١ : ٨٠ ، ربيع الأبرار / للزمخشري ٢ : ١٠٤.
(٣) الدر المنثور ٢ : ١٨٦ ، البداية والنهاية ٦ : ١١٥ ، أمالي الطوسي : ٦١٤ - ٦١٥ / ١٢٧١ و١٢٧٢.
(٤) علل الشرائع ١ : ١٨٢ / ٢١ ، دلائل الامامة : ٨٠ / ٢٠.