مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ذكر اصطفاء مريم بالكمالات النّفسانيّة والكرامات الفائقة ، شرع في بيان قصّة ولادة عيسى بقوله : ﴿إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ﴾ وقد مرّ أنّ المراد خصوص جبرئيل - على ما قيل - : ﴿يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ﴾ ويسرّ قلبك بالإخبار ﴿بِكَلِمَةٍ﴾ تامة كائنة ﴿مِنْهُ﴾ ويفرحك بولد يهبه لك ، بإرادته التّكوينيّة التي يعبّر عنها بكلمة ( كن ) من غير مبادئ عاديّة ﴿اسْمُهُ﴾ عند الله ﴿الْمَسِيحُ﴾ قيل : هو معرّب مشيخا بالعبريّة ، ومعناه : المبارك (١) .
والمراد من لفظ الاسم هنا ، ما يحكى عن ذات معيّنة ، ولو كان لقبا وأمّا علمه فهو ﴿عِيسَى﴾ قيل : هو معرّب إيشوع (٢) ، وكنيته ﴿ابْنُ مَرْيَمَ﴾ وهو يكون ﴿وَجِيهاً﴾ وشريفا ﴿فِي الدُّنْيا﴾ بمنصب النّبوّة ، ومطاعية النّاس ، ﴿وَ﴾ في ﴿الْآخِرَةِ﴾ بالشّفاعة ، وعلوّ الدّرجة في الجنّة ، ومعدودا ﴿مِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ عند الله ، قيل : فيه إشارة إلى رفعه إلى السّماء (٣) .
﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (٤٦)﴾
ثمّ بشّرها بكمال علمه بقوله : ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ﴾ بكلمات الأنبياء الجامعة للحكمة والموعظة ، حال كونه طفلا كائنا ﴿فِي الْمَهْدِ وَ﴾ كونه ﴿كَهْلاً﴾ بالغا إلى كمال البشريّة ، من غير تفاوت بين الحالين ، وهذا من أعظم معجزاته.
بل نقل أنّه قالت مريم : إذا خلوت أنا وعيسى ، حدّثني وحدّثته ، فإذا شغلني عنه إنسان كان يسبّح في بطني وأنا أسمع (٤) .
وفي ذكر أحواله المختلفة إشارة إلى أنّه بمعزل من الالوهيّة.
في نقل إنكار النصارى تكلّم عيسى في المهد وردّه
قيل : إنّ النّصارى أنكرت تكلّمه في المهد (٥) ، ولو كانت هذه المعجزة لتواترت بينهم ، وكانوا أحقّ بمعرفتها من غيرهم ، ولا يمكن منهم إخفاؤها مع إفراطهم في محبّته ، حتّى ذهبوا إلى الوهيّته.
__________________
(١ و٢) . تفسير روح البيان ٢ : ٣٥.
(٣) تفسير أبي السعود ٢ : ٣٧.
(٤) تفسير روح البيان ٢ : ٣٥.
(٥ و٦) . تفسير الرازي ٨ : ٥٢.