ادّخرتم باللّيل ، تعلمون أنّي صادق ؟ قالوا : نعم ، وكان يقول : أنت أكلت كذا وكذا ، وشربت كذا وكذا ، ورفعت كذا وكذا ، فمنهم من يقبل منه فيؤمن ، ومنهم من [ ينكر ] فيكفر » (١) .
قيل : ويخبر الصّبيان وهو في المكتب ، بما يصنع أهلهم ، وبما يأكلون ويخبّئون لهم ، وكان الصّبي ينطلق إلى أهله ويبكي عليهم حتّى يعطوه ما خبّأوا له ، ثمّ قالوا لصبيانهم : لا تلعبوا مع هذا السّاحر. الخبر (٢) .
وهم ودفع
ثمّ اعلم أنّ صدور هذه المعجزة من نبيّنا صلىاللهعليهوآله أكثر من أن يحصى.
فإن قيل : إنّ طرق الإخبار بالغيب لا تنحصر بالوحي والإعجاز ، بل يمكن بطريق علم النّجوم والجفر.
قلنا : هذه الطرق محتاجة إلى التّعلّم والاستعانة بالآيات ، وتقدّم السؤال ، والتّفكّر في الحساب ، وكلّ ذلك كان منتفيا في إخبار الأنبياء ، فلا بدّ أن يكون بالوحي والإلهام.
﴿وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ
وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (٥٠) إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا
صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٥١)﴾
ثمّ أنّه عليهالسلام بعد ما أخبر بمعجزاته وأتى بها ، بيّن ما ارسل به بقوله : ﴿وَ﴾ إنّي جئتكم لأكون ﴿مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَ﴾ وما تقدّمني ﴿مِنَ التَّوْراةِ﴾ وتقرير غالب أحكامها ، وبيان أسرارها ، وحلّ مشكلاتها وغوامضها ، وإزالة شبهات منكريها ، ودفع التّحريف منها ﴿وَلِأُحِلَ﴾ وارخّص ﴿لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾ أكله في شريعة موسى من لحوم السّمك ، ولحوم الإبل ، والشّحوم.
قيل : كان الأحبار قد وضعوا من عند أنفسهم شرائع باطلة ، ونسبوها إلى موسى عليهالسلام ، فجاء عيسى عليهالسلام ورفعها وأبطلها ، وأعاد الأمر إلى ما كان في زمن موسى عليهالسلام (٣) .
ثمّ أنّ الله قد حرّم بعض الأشياء على اليهود عقوبة لهم على بعض ما صدر عنهم من الجنايات ، ثمّ جاء عيسى عليهالسلام ورفع بعض التّشديدات عنهم.
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ١٠٢ ، تفسير الصافي ١ : ٣١٣.
(٢) تفسير روح البيان ٢ : ٣٨ ، تفسير الرازي ٨ : ٥٧.
(٣) . تفسير الرازي ٨ : ٥٩.