وقيل : إنّ عيسى عليهالسلام رفع كثيرا من أحكام التّوراة ، ولم يكن قادحا في كونه مصدّقا بالتّوراة (١) .
عن العيّاشي : عن الصادق عليهالسلام قال : « كان بين داود وعيسى بن مريم أربعمائة سنة ، وكانت شريعة عيسى عليهالسلام أنّه بعث بالتّوحيد والإخلاص ، وبما أوصى به نوح وإبراهيم وموسى عليهمالسلام ، وانزل عليه الإنجيل ، واخذ عليه الميثاق الذي اخذ على النّبيّين ، وشرّع له في الكتاب إقام الصّلاة مع الدّين ، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، وتحريم الحرام وتحليل الحلال ، وانزل عليه في الإنجيل مواعظ وأمثال وحدود ، ليس فيها قصاص ولا أحكام حدود ، ولا فرض مواريث ، وانزل [ عليه ] تخفيف ما كان [ نزل ] على موسى في التّوراة ، وهو قول الله عزوجل في الذي قال عيسى بن مريم لبني إسرائيل : ﴿وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾ وأمر عيسى من معه ممّن يتبعه من المؤمنين أن يؤمنوا بشريعة التّوراة والإنجيل » (٢) .
ثمّ أعاد قوله : ﴿وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ﴾ عظيمة ، شاهدة على رسالتي ، كائنة ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ للإنجاع في القلوب ، وازدياد التّأثير في الطّباع المألوفة بالعادات.
ثمّ خوّفهم بقوله : ﴿فَاتَّقُوا اللهَ﴾ وخافوه في تكذيبي ومخالفة أحكامي ﴿وَأَطِيعُونِ﴾ في أوامري ونواهيّ.
ويحتمل أن يراد من الآية التي جاء بها قوله : ﴿إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ﴾ وفيه دعوة إلى التّوحيد الخالص ، وإشعار بأنّ أوّل الكمال وأعلى الفضائل هو الحكمة النّظريّة التي غايتها معرفة الله بالوحدانيّة ذاتا وصفاتا وأفعالا ، وفي قوله : ﴿فَاعْبُدُوهُ﴾ دعوة إلى الكمال الثاني ، وهو الحكمة العمليّة ، وهي القيام بالطّاعة ، ووظائف العبودية.
ثمّ قرّر ذلك بقوله : ﴿هذا﴾ الذي هديتكم إليه من التّوحيد والعبادة ﴿صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ وطريق سويّ يوصلكم إلى محلّ القرب ، وأوج الكرامة ، ومستقرّ الرّحمة ، ونعم الجنّة.
ووجه كونه آية صدقه أنّ ما دعا إليه ممّا يشهد به العقل المتين والحقّ الذي اتّفق عليه جميع الأنبياء والمرسلين.
﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ
__________________
(١) تفسير العياشي ١ : ٣٠٩ / ٦٩١ ، تفسير الصافي ١ : ٣١٤.