و[ ما ] بعده مبتدأ وقوله : ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾(١) خبره ، وهو بمكان من الضّعف لقوّة ظهور الواو في العطف ، وعدم وجود قرينة في المقام تليق أن تكون صارفا عنه.
وأضعف منه تأييد بعضهم هذا التّوهّم بأن الآية دلّت على ذمّ متّبعي المتشابه ، ووصفهم بالزّيغ وابتغاء الفتنة ، وعلى مدح الذين فوّضوا العلم إلى الله ، وسلّموا إليه ، حيث إنّ الآية دالّة على ذمّ أهل الزيغ غير العالمين بتأويل المتشابه ، بأنّهم مع جهلهم بتأويله يؤوّلونه ويتّبعونه لا طلبا للحقّ ، بل ابتغاء للفتنة ، ففيهم جهات عديدة الذمّ.
وأمّا الرّاسخون في العلم فإنّهم لعلمهم بتأويله ، ومعرفتهم بالعلوم المندرجة في المتشابهات ، يتجاهرون بالإيمان بها ، ويشهدون على رؤوس الأشهاد بأنّها كلام الله كالمحكمات.
ولو كان أهل الزيغ والعلم مشاركين في الجهل بالتأويل متفاوتين في الإيمان والنفاق لم يحسن توصيف المؤمنين بالعلم ، بل كان الأنسب أن يقال : ( وأما الرّاسخون في الايمان يقولون آمنّا به كلّ من عند ربنا ) مع أنّ التأييد المذكور لا يقاوم البرهان الّذي قدّمناه من لزوم اللّغو على الحكيم ، وهو محال عند العدليّة ، ومستبعد عند من يجوّز القبيح على الله من الأشاعرة.
وأمّا استدلالهم بما رووه بطرقهم ، عن الأعمش ، قال : إنّ في قراءة ابن مسعود ( إن تأويله إلّا عند الله والراسخون في العلم يقولون آمنّا به ) (٢) فموهون سندا ودلالة ، لعدم كون ما نقل عنه قرآنا يقينا ، بل هو تفسير له ، ولعلّ مراده أنّ الراسخين لا يؤوّلون المتشابه من قبل أنفسهم وأهوائهم ، بل بتعليم الله إيّاهم.
فالعلم به أولا عند الله ، ثمّ بإفاضته يعلمه الراسخون ويقولون : آمنّا به كلّ من المحكم والمتشابه من عند الله ، كاشفات عن العلوم غير المتناهية الإلهيّة ، وبهذا يجمع بين الرواية السابقة عن ابن عبّاس ، وما روي عنه من قراءته : ( وما يعلم تأويله إلّا الله ويقول الراسخون في العلم آمنّا به ) (٣) وما روي عن أبيّ بن كعب أنّه قرأ : ( ويقول الرّاسخون ) (٤) .
ومثله في الوهن استدلالهم بما روي عن أبي مالك الأشعري أنّه سمع رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : « لا أخاف على أمّتي إلا ثلاث خلال : أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيقتتلوا ، وأن يفتح لهم الكتاب
__________________
(١) آل عمران ٣ : ٧.
(٢) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٧ ، والآية من سورة آل عمران : ٣ / ٧.
(٣) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٦.
(٤) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٧.