عدم العلم بتأويل المتشابهات حتّى للرّاسخين ، لأنّ فعله لا يكون حجّة إلّا على ظلمه ، ولعلّ ارتكابه له في حقّ هذا السائل المتعلّم ، من جهة أنّ سؤاله هذا كان سببا لاهتدائه إلى باب أمير المؤمنين صلوات الله عليه وشدّة ظهور فضله على النّاس ، وجهل غيره.
وكأنّ ذهاب أكثر شيعته إلى القول بجهل النبيّ صلىاللهعليهوآله بالكتاب الّذي أنزل عليه ، لتلازم اعترافهم بعلم النّبيّ صلىاللهعليهوآله اعترافهم بعلم أمير المؤمنين عليهالسلام به ، واضطرار الخلق إلى بابه ، لأنّه صلىاللهعليهوآله باتّفاق الأمّة مدينة العلم ، وعليّ بابها ، وإليه أشار أمير المؤمنين صلوات الله عليه في حديث بيان المتشابه حيث قال : « إنّما فعل [ الله ] ذلك لئلّا يدّعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول الله صلىاللهعليهوآله من علم الكتاب ما لم يجعله لهم ، وليقودهم الاضطرار إلى الائتمار بمن ولّاه أمرهم فاستكبروا عن طاعته تعزّزا وافتراء على الله عزوجل ... » الخبر (١) .
الطّرفة السابعة عشرة
في حكم كون كثير من الآيات متشابها ،
وعدم كون جميعها محكمات
لا يخفى أنّ فوائد جعل كثير من آيات القرآن متشابهات ، وعدم جعل كلّها محكمات كثيرة وحكمه وفيرة :
منها : ما أشار إليه أمير المؤمنين صلوات الله عليه في الرواية السابقة من اضطرار النّاس إلى الرّجوع إلى الرّاسخين في العلم ، والائتمار بأوامرهم ، فإنّهم إذا حضروا في مجالسهم لاستفادة علم القرآن ، عرفوا شأنهم وعلوّ مقامهم ، وازدادوا [ في ] موالاتهم ومحبّتهم ، واقتدوا بأعمالهم ، واكتسبوا من أخلاقهم.
ومنها : تبيّن فضل العلماء على سائر النّاس واختلاف مراتبهم.
ومنها : اضطرار أهل الإيمان إلى التّدبر والتّفكّر في القرآن ، فبالتّدبّر فيه تظهر دقائقه ، وتكشف حقائقه ، ويحصل كمال التوحيد ، وتمام المعرفة ، وقوّة اليقين ، وثبات الإيمان ، ولو كان كلّه محكما لتعلّقوا به لسهولة مأخذه ، وأعرضوا عن الغور في غوامضه.
__________________
(١) الاحتجاج : ٢٥٣.