أن يعتبر الشارع شيئا غير العلم ويجعله حجّة مثل العلم بحيث يكون اتّباعه مثل اتّباع العلم واجبا؟
نقل عن بعض القدماء ـ مثل : ابن قبة ـ أنّه لا يمكن جعل الظنّ حجّة ، ببيان أنّ إصابة الظنّ للحكم الواقعي المخزون في علمه تعالى غير معلوم ، بل لا شكّ في أنّه قد يصيبه وربّما لا يصيبه ، ويلزم من حجّية الظنّ وجوب العمل على خلاف ذلك الحكم الواقعي إذا أخطأ الظنّ الواقع ، فلو جعل الشارع الظنّ حجّة كان لازمه تعريض المكلّف على تفويت المصلحة المترتّبة على الحكم الواقعي ، ولا شكّ في قبحه ، فلا يصدر من الشارع الحكيم. وأيضا الفعل إن كان في الواقع متّصفا بحكم مخالف لما ثبت له حسب مقتضى الظنّ لزم اجتماع الضدّين ، بأن كان الفعل حراما واقعا وحصل لنا الظنّ بوجوبه أو إباحته ، فيلزم أن يكون الفعل حراما وواجبا مثلا ، وهو اجتماع الضدّين. وإن كان متّصفا بنفس الحكم لزم اجتماع المثلين ، بأن كان الفعل في علم الله واجبا واقعا وثبت له وجوب ظاهري بمقتضى الظنّ فلزم ثبوت الوجوبين لفعل واحد في وقت واحد أحدهما واقعي والآخر ظاهري.
ولكن جمهور المتأخّرين وأعاظم القدماء على إمكان حجّية الظنّ ببيان أنّه من المعقول أن يكون في حجّية الظنّ مصلحة أخرى غير مصلحة الحكم الواقعي ، وتلك المصلحة تعوّض للمكلّف عمّا يفوته من المصلحة المترتّبة على الحكم الواقعي على فرض خطأ الظنّ وعدم إصابته الواقع ، فلتكن تلك المصلحة تسهيل الأمر على المكلّفين في شأن امتثال الأحكام الإلهية ؛ إذ لو لم يكن الظنّ حجّة ولم يصحّ الاعتماد عليه في الأحكام الشرعية لزم منه تكليف عامّة المكلّفين بتحصيل العلم الوجداني بجميع الأحكام ، ولا شكّ في أنّه يتعسّر على أغلب الناس حتى في زمان حضور الأئمة