وهذه الطائفة وإن كانت وافية الدلالة على المدّعى إلّا أنّه لا يمكن الأخذ بظاهرها ؛ لأنّا نعلم بصدور أخبار منهم عليهمالسلام ـ علما جزميا ـ لأجل القرائن تفيد العلم بصدورها وليس عليها شاهد من الكتاب والسنّة المعلومة ، بل هي إمّا مقيّدة لمطلقات القرآن والسنّة المعلومة أو مخصّصة لعموماتها كما ذكرنا.
فلا بدّ من حمل هذه الطائفة على صورة التعارض بين الأخبار ، ولا بدّ حينئذ من الأخذ من المتعارضين ما عليه شاهدان أو شاهد من الكتاب والسنّة.
الوجه الثالث :
منع تعالى عن العمل بغير العلم حينما قال عزّ من قائل : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(١) ، ومعلوم أنّ العمل بالخبر الذي لا يفيد إلّا الظنّ عمل بغير العلم ، وقد علمت أنّ خبر الواحد لا يفيد إلّا الظنّ ، وكذلك منع سبحانه وتعالى من العمل بالظنّ حينما قال : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(٢) ، فإنّه مذمّة على العمل بالظنّ ، ولا معنى للذمّ من الله سبحانه إلّا حرمة المذموم.
الجواب عنه : أنّ مفاد الآيتين وغيرهما ممّا يدلّ على حرمة العمل بغير العلم إنّما هو التأكيد على الحكم العقلي والإرشاد إليه ، وقد حكمت العقول بأنّه يجب على المكلّف في الأحكام الشرعية تحصيل ما يأمن العقاب معه ؛ لأنّه بعد ما علم أنّه تعالى كلّفه بأشياء وأنّه يعاقبه على مخالفته فهو لا يأمن العقاب إذا عمل بالظنّ بخلاف ما إذا عمل على طبق ما يعلمه ، فهو حينئذ يعلم بأنّه قد أتى بوظيفته ، فحينئذ يأمن العقوبة ، والآيتان أيضا تدلّان على هذا
__________________
(١) الإسراء : ٣٦.
(٢) يونس : ٣٦.