المعنى الذي نفهمه بالعقل مستقلّا ، فالآيتان إذن إنّما تلفتان النظر إلى هذا الحكم العقلي البديهي.
فالحاصل : أنّ مفاد هاتين الآيتين وغيرهما هو لزوم تحصيل ما يؤمن من العقوبة الإلهية ، ومن المعلوم أنّه إذا قام الدليل القطعي على حجّية الظنّ ، بمعنى أنّا علمنا أنّ الشارع جعل الظنّ حجّة على أحكامه كالظنّ الحاصل من الخبر ، وعلمنا أنّ العمل بالخبر الذي جعله الشارع حجّة كالعمل بالعلم الذي هو حجّة بذاته ، ففي مثله إن عملنا بالخبر فلا محالة نكون في أمن تامّ من العقاب ؛ إذ لم نعمل إلّا بما جوّز الشارع المقدّس العمل به.
فعليه الآيتان إنّما تمنعان من العمل بخبر الواحد إذا لم يدلّ دليل على حجّية الخبر على نحو يحصل العلم به.
فعليه لا بدّ من النظر في الأدلّة التي استدلّ بها على حجّيته ، فإن أفادت علما بها لم يكن العمل به عملا بما لا يأمن معه العقاب ، بل كان عملا نأمن معه العقاب.
أدلّة حجّية خبر الواحد :
وهي كثيرة نكتفي بأشهرها :
الأوّل : قوله تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ)(١).
توضيح الاستدلال به : أنّ الآية المباركة حسب التركيب النحوي تحوي جملة شرطية مؤلّفة من شرط وجزاء. أمّا الشرط فهو قوله تعالى :
__________________
(١) الحجرات : ٦.