والتكاليف منسدّ.
ومعنى انسداد باب العلم أنّه ليس لدينا طريق يفيد لنا علما وجدانيا بأغلب الأحكام الفقهية ؛ لأنّ كلّ ما بأيدينا من الوثائق الشرعية من الكتاب والسنّة لا يفيد العلم الّذي ننشده ؛ لأنّ الكتاب وإن كان صدوره من الشارع المقدّس يقينا حيث إنّه متواتر إلّا أنّ دلالته على المقصود ظنّية ، مثل قوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ)(١) لا شكّ في صدوره منه تعالى ، فإنّه قد ثبت بالتواتر المفيد للعلم به ، ولكن استفادة وجوب الصلاة متوقّفة على أنّ صيغة الأمر تدلّ على الوجوب ، وقد علمنا في بحث الأوامر أنّ الصيغة ظاهرة في الوجوب ، والظهور إنّما يفيد الظنّ.
وأمّا السنّة فليس منها ما يعلم بصدوره إلّا القليل الّذي لا يتعدّى رءوس الأصابع ، بل أغلب ما وصل إلينا منها أخبار الآحاد ، وهي ليست قطعيّة الثبوت ، كما أنّ دلالتها على الأحكام أيضا من باب الظهور ، فثبوت السنّة ظنّي ودلالتها على المقصود أيضا ظنّية ، فالعلم الوجداني بالأحكام لا سبيل إليه بتاتا.
وأمّا طريق العلمي ، وهو وجود طرق ظنّية علمنا باعتبارها ، وإن تكن كافية لمعظم الأحكام ، فأيضا مفقود عند من يرى حجّية الظنّ المطلق.
وصحّة هذه المقدّمة مبنية على أحد أمرين على سبيل منع الخلو ، بمعنى أنّ أحدهما يكفي في إثبات انسداد باب العلمي :
أحدهما : عدم حجّية الروايات الموجودة في الكتب المعتبرة ، إمّا من جهة عدم ثبوت وثاقة رواتها ، أو من جهة عدم حجّية خبر الثقة.
__________________
(١) البقرة : ٤٣.