وحاصل الاستدلال به أنّ الحكم الّذي هو محجوب عن المكلّفين وهم لا يعلمونه فهو موضوع عنهم لا يؤاخذون عليه ، فحرمة التدخين على تقدير ثبوتها في علم الله سبحانه وهي مخفية علينا ومحجوبة عنّا فهي موضوعة عنّا. وكذا وجوب الدعاء عند رؤية الهلال ، فإنّه بما هو محجوب عنّا ومجهول لنا فهو موضوع عنّا لا نؤاخذ عليه. وهذه الرواية تدلّ في ضوء هذا التقرير على أنّ ما لم نعلم أنّه حرام ثمّ ارتكبناه كان ذلك مباحا ، يعني أنّه تعالى لا يعاقبنا عليه ، فكلّ ما نشكّ في أنّه حرام يجوز ارتكابه ، وهكذا الحال فيما نشكّ أنّه واجب فيجوز ترك كلّ ما نشكّ في وجوبه ما لم نعلم بوجوبه.
٤ ـ قوله عليهالسلام : «كلّ شيء مطلق حتى يرد فيه نهي» (١).
هذه الرواية استدلّ بها على البراءة في الشبهة التحريمية فقط ؛ لأنّ مفادها إثبات الإباحة في الظاهر لكلّ شيء لم يرد فيه النهي من قبل الشارع ، وهذا المعنى كما ترى إنّما يفيد في إثبات البراءة في الشبهة التحريمية فقط ولا ربط لها بالشبهة الوجوبية ، إلّا أنّ الذي يعيننا على الاكتفاء بمثل هذه الرواية ويسمح الاستدلال بها هو أنّ عمدة الخلاف ـ كما عرفت ـ بين الأصوليين والأخباريين إنّما هو في الشبهة التحريمية ، وأمّا الشبهة الوجوبية فوافق الأخباريون الأصوليين على عدم وجوب الاحتياط والتمسّك بالبراءة إلّا القليل منهم كالمحدّث الاسترآبادي ، فإنّه المنفرد من بين الأخباريين بوجوب الاحتياط فيها مثل ما التزم بوجوبه في الشبهة التحريمية. فعليه العمدة في مبحث البراءة إثبات حجّيتها في الشبهة التحريمية فقط.
__________________
(١) أمالي الشيخ الطوسي المجلّد ٣ ، الجزء ١٨ : ٣٨١ ، ط. النجف الأشرف.