ثالثا : التلبّس والاتّصاف يختلف باختلاف مبادئ المشتقّات ، فقد يكون المبدأ من الحرف والصناعات ، وفي بعضها القوّة والملكة ، وفي بعضها يكون فعليا.
فالأوّل : مثل التجارة ، فإنّ الاتّصاف متحقّق ما دام زيد لم يعرض عن هذا العمل.
والثاني : مثل الاجتهاد ، حيث المقصود به الملكة باقية في نفس زيد ، فيعتبر متّصفا بالاجتهاد وان لم يكن مشتغلا بالاستنباط بالفعل.
والثالث : مثل القيام ، فإنّ زيدا ما دام منتصبا يعتبر قائما ، ولا يعتبر في مثله كونه ملكة أو حرفة أو صناعة.
فالحاصل : أنّ الاتّصاف بالمبدإ يختلف حسب اختلاف المبدأ ، وبتبع ذلك يختلف الاتّصاف والانقضاء.
فإذا تمهّدت لك هذه الأمور فاعلم :
انّه لا خلاف عندهم في أنّه إذا اتّحد حال التلبّس والاتّصاف مع حال النسبة والجري ، يكون ذلك الاستعمال حقيقيا. مثل : زيد قائم يوم الجمعة ، وكان في الواقع أيضا كذلك ، فحينئذ يتّحد زمان التلبّس مع زمان النسبة.
وهكذا لا نزاع بينهم في أنّه مجاز فيما إذا انفصل زمان النسبة عن زمان التلبّس وتأخّر زمان التلبّس عن زمان النسبة ، مثل ما إذا قال : زيد نائم الآن ، وفي الواقع ينام في المستقبل.
إنّما الخلاف فيما إذا تقدّم زمان التلبّس على زمان الجري والنسبة بأن اتّصفت الذات بمبدإ في زمان وزال ذلك الاتّصاف ، ثمّ حصلت النسبة والجري ، مثل ما إذا قال : زيد قائم الآن ، وفي الواقع كان قائما أمس ، فهل هذا الاستعمال حقيقي ـ مثل النحو الأوّل ـ أم مجازي؟