الآخر كفر والحاد تَبَرَّأ الأئمّة منه.
قال الشيخ المفيد في تصحيح الاعتقاد : والمفوِّضة صنف من الغلاة ، وقولهم الذي فارقوا به من سواهم من الغلاة : اعترافهم بحدوث الأ ئمّة وخلقهم ، ونفي القدم عنهم ، وإضافة الخلق والرزق مع ذلك إليهم ، ودعواهم أنّ اللّه سبحانه وتعالى تفرّد بخلقهم خاصّة ، وأنّه فَوَّضَ إليهم خلق العالم بما فيه وجميع الأفعال (١).
وقال العلاّمة المجلسي : وأمّا التفو يض فيطلق على معان ، بعضها منفيُّ عنهم عليهمالسلام ، وبعضها مثبت لهم ، فالأول التفو يض في الخلق والرزق والتربية والإماتة والإحياء ، فإنّ قوما قالوا : إنّ اللّه تعالى خلقهم وفَوَّضَ إليهم أمر الخلق ، فهم يخلقون ويرزقون ويميتون ويحيون ، وهذا الكلام يحتمل وجهين :
أحدهما أن يقال : إنّهم يفعلون جميع ذلك بقدرتهم وإرادتهم وهم الفاعلون حقيقةً ، وهذا كُفرٌ صريح دلّت على استحالته الأدلة العقلية والنقلية ، ولا يستريب عاقل في كفر من قال به.
وثانيهما : إنّ اللّه تعالى يفعل ذلك مقارِنا لإرادتهم ، كشقِّ القمر ، وإحياء الموتى ، وقلب العصا حية ، وغير ذلك من المعجزات ، فإنّ جميع ذلك إنّما تحصل بقدرته تعالى مقارنا لإرادتهم لظهور صدقهم ، فلا يأبى العقل عن أن يكون اللّه تعالى خلقهم وأكملهم وألهمهم ما يصلح في نظام العالم ، ثمّ خلق كلّ شيء مقارنا لإرادتهم ومشيتهم.
وهذا وإن كان العقل لا يعارضه كِفاحا ، لكنّ الأخبار السالفة (٢) تمنع من القول به فيما عدا المعجزات ظاهرا بل صُراحا ، مع أنّ القول به قولٌ بما لا يُعْلَمُ ، إذ لم
__________________
(١) تصحيح اعتقادات الإمامية : ١٣٤ ، وعنه في خاتمة المستدرك ٥ : ٢٣٤ ، وبحار الانوار ٢٥ : ٣٤٥.
(٢) وهي الاخبار التي ذكرها المجلسي قبل هذا الكلام.