قد يتصوّره البعض ، على أنّنا في الوقت نفسه لا ننكر تسرّع البعض في إطلاق الأحكام على الآخر ين قبل التروّي والتأنّي.
وبذلك يكون سلاح التفويض والتقصير ذا حَدَّين يستخدم من كلّ جانب للاطاحة بالآخر ، وكلا الطرفين يستخدمه حرصا على الإسلام ومتبنّياته العقائدية.
فنحن لو تناسينا الاتّجاهين المقصِّر والغالي الواقعيَّين ، فإنّ النَّمرقة الوسطى ( الاتّجاه الثالث ) كان خائفا من دخول أفكار هذين الاتّجاهين ضمن كلام محدّثيهم ورواتهم.
فالبغداديون المتَّهمون بالغلوّ ليسوا بغلاة ولا مقصِّرة ، كما أنّ الشيعة القميّين ليسوا كذلك أيضا ؛ لكن مع ذلك نرى صراعا بين المدرستين البغدادية والقمّيّة ، واتّهامَ كُلِّ واحدٍ منهما للآخر بالتفو يض والتقصير ، مع اعتقادهما سو يّةً بأنّ الأئمّة سلام اللّه عليهم بشرٌ معصومون لا قدرة لهم على شيء إلاّ ما أعطاهم اللّه على نحو الاصطفاء والاجتباء ، على منوال المسيح عيسى بن مريم سلام اللّه عليه الذي كان يحيي الموتى ويُبرئُ الأكمَه بإذنه تعالى. ولا يمكن احتمال شيء في هذا الصراع سوى الخوف على المذهب من قِبَل كِلا المدرستين.
فالمدرسة القميّة تشدّدت في بعض الأفكار ، وعلى بعض الرواة ، خوفَ الوقوع في مهلكة التفويض والغلوّ ، والمدرسة البغدادية أرادت تحرير العقيدة من ذاك التشديد ، خوفَ الوقوع في زنزانة التقصير والتفريط بمقامات الأئمّة سلام اللّه عليهم.
ولو تأمّلت في روايات وأقوال الطرفين لصدّقتنا في مدّعانا ، لأ نّك قد ترى ما يستشم منه الغلوّ في مرو يّات القميين ـ المتهجّمين على الغلاة ـ لأنّ الأصول المعرفية التي رواها القميون فيها الكثير من المعارف التي لا يتحمّلها بعض البشر ، فمثلاً روى ابن قولو يه والكليني وغيرهما في إحدى زيارات الإمام الحسين عليهالسلام ، ما قد يتخيّل منه الغلوّ كقوله : ( إرادة الربّ في مقادير أموره تهبط اليكم وتصدر من