وابتعاد عن الحقيقة والواقع.
نعم ، توجد مجموعة مغالية دسّت نفسها بين الشيعة ، واُخرى مالت إلى التفويض ، وعندما أراد الإمام عليّ إحراق الغلاة ، خنقا بالدخان ، قالوا : هذه من وظائف الرب ، إذ لا يعذب بالنار إلاّ ربّ النار (١). لكنّ الأئمة كانوا يعارضون تلك الأفكار الفاسدة ويصحّحون لمن التبس الأمر عليهم ، ويَدعونهم إلى الجادة الوسطى.
فعن الإمام الباقر عليهالسلام أنّه قال : إنّ عليّا لمّا فرغ من قتال أهل البصرة أتاه سبعون رجلاً من الزطّ فسلّموا عليه وكلّموه بلسانهم ، فردّ عليهم بلسانهم ، ثم قال لهم : إنّي لست كما قلتم أنا عبداللّه مخلوق ، فأبوا عليه وقالوا له : أنت هو.
فقال لهم : لئن لم تنتهوا وترجعوا عما قلتم فيّ وتتوبوا إلى اللّه عزّوجلّ لأقتلنّكم ، فأبوا أن يرجعوا ويتوبوا ، فأمر أن يُحفَرَ لهم آبار ، فحفرت ، ثمّ خرق بعضها إلى بعض ثمّ قذفهم [ فيها ] ، ثمّ خَمَّر رؤوسها ، ثمّ أُلِهبت النار في بئر منها ليس فيها أحد منهم ، فدخل الدخان عليهم فيها فماتوا (٢).
وروي عن الإمام الرضا عليهالسلام أنّه قال في جواب من سأل عن معنى ( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضّآلِّينَ ) : بأنّ من تجاوز بأميرالمؤمنين العبودية فهو من المغضوب عليهم ومن الضالين.
__________________
(١) جاء في رجال الكشي ١ : ٣٢٣ / الرقم ١٧٠ ، عن الإمام الباقر أنه قال : إن عبداللّه بن سبا كان يدّعي النبوّة ويزعم أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام هو اللّه ( تعالى عن ذلك ). فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليهالسلام فدعاه وسأله فأقرّ بذلك ، وقال : نعم أنت هو ، وقد كان اُلقي في روعي أنّك أنت اللّه وأنّي نبيّ.
فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام : ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك اُمّك وتب ، فأبى ، فحبسه واستتابه ثلاثة أيّام فلم يتب ، فأحرقه بالنّار ، وقال : إنّ الشيطان استهواه فكان يأتيه ويلقي في روعه ذلك.
(٢) الكافي ٧ : ٢٥٩ / ح ٢٣ / من باب حد المرتد ، من لا يحضره الفقيه ٣ : ١٥٠ / ٣٥٥٠ ، وانظر مناقب بن شهرآشوب ١ : ٢٢٧ ، وبحار الأنوار ٢٥ : ٢٨٥ / ح ٣٨ عن المناقب ، و ٢٥ : ٢٨٧ / ح ٤٣ عن الكشي ، و ٤٠ : ٣٠١ / ح ٧٧ عن الكافي.