بنفسه ، الغنيّ بذاته الّذي ليست قدرته مستعارة ، ولا غناهُ مستفادا ، والّذي من شاء أفقره ، ومن شاء أغناه ، ومن شاء أعجزه بعد القدرة وأفقره بعد الغنى.
فنظروا إلى عبدٍ قد اختصّه اللّه بقدرته ليبيّن بهذا فضله عنده ، وآثره بكرامته ليوجب بها حجّته على خلقه ، وليجعل ما آتاه من ذلك ثوابا على طاعته ، وباعثا على اتّباع أمره ، ومؤمنا عباده المكلّفين مِنْ غلط مَنْ نصبه عليهم حجّة ولهم قدوة ... (١)
بلى ، إنّ الكرامات التي ظهرت من الأئمّة هي التي دعت هؤلاء أن يغلوا فيهم ، لأ نّهم لم يكونوا أُناسا عاديين ، لأنّ اللّه قد منحهم وأعطاهم أشياءً لم يعطها لآخرين ، فتصوّروا أنّها من فعلهم على نحو الاستقلال ، في حين أنّ هذه الامور لم تكن من فعلهم على وجه الاستقلال ، بل هي فعل القادر المتعال ، الذي لا يشبه فعله فعل أحد من الناس. فتصوّروا أنّهم آلهة في حين أنّهم ( عِبَادٌ مُكرَمُون * لا يسبِقُونَه بَالقَولِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعمَلُونَ ) (٢).
وأمّا أهل التفويض فإنّهم لا يذهبون إلى كون النبيّ أو الإمام إلها كالغلاة ، لكنّهم يضفون عليه بعض صفات الأُلوهيَّة ، كالخالقية والرازقية والغافرية وتدبير أمر الخلق وما شابه ذلك على نحو الاستقلال.
فالغلاة كفرة ، والمفوِّضة مشركون ، والغلاة حسب تعبير الأئمّة : يصغّرون عظمة اللّه ويدّعون الربوبية لعباد اللّه (٣) ، والمفوِّضة ليسوا بأقلّ من أُولئك.
__________________
(١) تفسير العسكري : ٥٢ ـ ٥٨ وعنه في الاحتجاج للطبرسي ٢ : ٢٣٢ ـ ٢٣٤ وعنه في بحار الأنوار ٢٥ : ٢٧٣ / ح ٢٠.
(٢) الأنبياء : ٢٦ ، ٢٧.
(٣) امالي الطوسي : ٦٥٠ / ح ١٣٤٩ وعنه في بحار الانوار ٢٥ : ٢٦٥ ح ٦ / باب نفي الغلو ...