لا يسعنا إلاّ أن نؤكّد أنّ ثمة صراعا قد حدث بين بعض المحدِّثين والمتكلّمين في هذه المسألة في العصور اللاحقة ، حيث نسب المحدّثون بعض الأُمور إلى أنّها نحوُ من أنحاء الغلوّ ، في حين ذهب المتكلّمون إلى أنّ عدم الاعتقاد بها من التقصير بمقامات هؤلاء الخُلّص من عباد اللّه ، وليست هي من الغلو والتفويض في شيء ، لكونها ، ليست إلاّ ملكات خاصة أعطاها اللّه للنبي والأئمة المعصومين من ذريته ، وقالوا للآخرين : إنّ ما تقفون عليه في بعض الأخبار ما هو إلاّ ذرّة من بحر ، وحيثما لا يمكنكم استيعاب ما منح اللّه للمعصومين من أشياء في عالم الوجود والخلق ، أنكرتموها وقلتم أنّها موضوعة أو ضعيفة (١).
إنّ الصراع الدائر بين بعض المحدِّثين من جهة ، وبعض المتكلّمين من جهة أُخرى ، حول مسألة الغلو والتفو يض ، تعود إلى القرن الثاني الهجري وأوائل القرن الثالث ، وهو ليس بالأمر الهيِّن ، إذ يمتاز بالعمق والحسَّاسية ، ولا ينبغي التعامل معه بهامشيّة ، والبحث فيه بحاجة ماسَّة إلى دراسة مستفيضة لمدرسة القميّين والبغداديين الكلامية ، ثمّ الإشارة إلى المعايير الرجالية في الجرح والتعديل عندهما ، وبيان حدود وخصائص كلّ واحد منهما على انفراد.
وذلك لأنّ جملة الشيخ الصدوق رحمهالله في الشهادة الثالثة : « والمفوّضة لعنهم اللّه قد وضعوا اخبارا وزادوا في الأذان » يجب النظر إليها بشيء من التحليل مع بيان ملابسات الظروف المحيطة به عند بياننا لكلامه رحمهالله.
فهل هذه المفردة هي من وضعهم حقّا ، أم أنّه ادَّعاء ، إذ أنّهم عملوا بشيء صحّ صدوره أو تقريره عن الشارع المقدس ، فاتُّهِموا بالوضع؟
مما لا شكّ فيه أنّهم لو قالوا في أذانهم : أشهد أن عليّا محيي الموتى ورازق
__________________
(١) انظر ذلك في بحار الأنوار ٢٥ : ٣٤٥ ـ ٣٥٠ ، مستدرك سفينة البحار ٨ : ١٧ ، وكتب الشيخ المفيد والسيّد المرتضى.