بيان هكذا مقامات لهؤلاء العباد المخلصين لا تقتصر على الشيعة ، فثمّة مجموعة لا يستهان بها من الفرق الاُخرى كأتباع ابن العربي أو غيره ، لهم عقائد في الأولياء والصالحين ، قد يعدّها من يخالفهم غلوا ، وهم يروون نصوصا يستدلّون بها على عقائدهم ، ولو رجعت إلى كتب الصوفية لرأيتهم يعتبرون آل البيت هم الأقطاب والأولياء الحقيقيين لهذه الأمّة.
نحن لا نريد أن نصحّح أعمال الصوفية أو أن نوحي بأ نّا مؤمنون بها ، بقدر ما نريد الإشارة إليه من سموّ مكانة هؤلاء الأئمة المنتجبين الصالحين عند جميع المسلمين.
ولا يخفى عليك بأن بعض الكُتَّاب ذهبوا إلى أنَّ ما رواه الصدوق « خُلِقُوا من فضل طينتنا » (١) وما يشـابهها ، ما هي إلاّ من وضع المفوّضة!
إنَّ إثبات صحّة أو بطلان مثل هذه العقائد بحاجة إلى دراسة شاملة ، لأ نَّه ليس من الصواب الانصياع إلى حكم عائم كهذا دون مراجعة مجموعة أقوال المعصومين ، فالعقل يدعو إلى تبيان الدليل في حال نسبة هذا العمل إلى المفوّضة وذاك إلى الغلاة ، وإلاَّ فالأمر سوف لا يتعدَّى سياق المهاترات ، والحال هذه.
لقد أكدنا قبل قليل بأن اللّه اصطفى واجتبى بعض عباده ، وأنّ علم الغيب يختص به تعالى ، لكنّه منح ذلك لمن ارتضاهم ، لقوله : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ) (٢) ، وقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ ) (٣).
__________________
(١) امالي الصدوق : ٦٦ / المجلس الرابع / ح ٣٢ ، عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وانظر فضائل الاشهر الثلاثه للصدوق : ١٠٥ / ح ٩٥ ، عن أبي الحسن عليهالسلام. روضة الواعظين : ٢٩٦ ، وفيه « من فاضل طينتنا » ، وسائل الشيعة ٢٥ : ١٣٦ / ح ٣١٤٣٨ ، عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام وفيه : « من طينتنا ».
(٢) الجن : ٢٦.
(٣) آل عمران : ١٧٩.