قسم قصدوا حفظ الشرع بمعرفة صحيح الحديث من سقيمه ، ولذلك رحلوا إلى الأمصار في سماع الحديث وجمع طرقه وطلب الأسانيد العالية فيه ، دون التفقّه فيما يخالفها وكيفيّة الجمع بين الروايات.
وقسم آخر : المتفقهة ، وهم الذين أضافوا إلى جمع الحديث التدبّر فيه ومقايسته مع الأحاديث الأُخرى وعرضه على القرآن الحكيم للوقوف على وجوه الجمع والتأو يل فيها.
وقد يسـمّى القسم الأوّل من هؤلاء المحدّثين بالحشو ية ، لأ نّهم لا يتدبّرون في المتون بقدر ما يتدبّرون في الأسانيد ، وقد يطلق على هؤلاء أحيانا ( المقلّدة ) و ( أصحاب الحديث ) و ( الأخباريون ) ، علما بأنّ لفظة ( الحشوية ) أُطلقت أوّلا على المحدثين من العامّة وخصوصا الحنابلة منهم (١) ـ وإن سعى ابن تيمية لإبعاد هذا اللقب عنهم (٢) ، لكنه لم يوفق في عمله ـ ثم أُطلقت في الزمن المتأخرّ على بعض محدّثي الشيعة ، لروايتهم أحاديث في التشبيه والتجسيم ، أو لنقلهم أحاديث ضعيفة في مسألة تحريف القرآن (٣) أو لنقلهم الغثّ والسمين والذي عبّر عنهم الشيخ المفيد : أنّهم ليسوا بأصحابِ نظرٍ وتفتيش ولا فكر في ما يروونه ولا تمييز (٤).
وقال أيضا في رسالة ( عدم سهو النبي ) : فليس يجوز عندنا وعند الحشوية المجيزين عليه السهو أن يكذب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم متعمّدا ولا ساهيا (٥).
__________________
(١) انظر على سبيل المثال : البرهان في اصول الفقه ، للزركشي ١ : ٣٩٢ ، التحفة المدنية في العقيدة السلفية : ١٦٤ ، الوافي بالوفيات ٢٧ : ١٩٢ ، الدارس ١ : ٢٠١ ، منادمة الاطلال : ١٠٠.
(٢) انظر مجموع الفتاوي لابن تيمية ٣ : ١٨٦ ، العقود الدرية في مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ، للمقدسي : ٢٥٤.
(٣) الذخيرة في علم الكلام للسيّد المرتضى : ٣٦١.
(٤) هذا هو كلام الشيخ المفيد في المسائل السروية ، المسألة الثامنة : ٧٢.
(٥) عدم سهو النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : ٢٣ المطبوع ضمن مصنفات المفيد / ج ١٠.